للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ساقطة. . . وأكبر الظن أن سر اضطراب الإنسانية اليوم هو تغلب التأملات الساقطة التي غلب عليها حب الذات. . . ولابد للحياة من تأمل. . . إما في غاية الحياة ومثلها العليا الإنسانية، وإما في الخلاص من قيود الحياة ومثلها الإنسانية العليا. وفرق بين التأمل الأول والتأمل الثاني

يصل بك الأول إلى الغاية - إذا صدقت فيه - ولم تأخذ في ظنون الأمور بيقينها. وهذا النوع كان موجوداً في أيام طفرة الإسلام الأولى، أيام كان تأمل الرسول الكريم يتغلغل في المسلمين جميعاً. . . ما أحوج الإنسانية اليوم إلى هذا التأمل، فإنه إذا وجد في أمة بعث فيها روحاً يجعلها لا تصل بين شريرها ومجاهدها الصادق إلا مقدار ما يُصلح الثاني من أمر الأول، ولا تحث على جوار النقائض إلا بمقدار ما يُشعر الحَسنُ القبيح بأن فيه قبحاً!!

- إذن أنت ترى يا بني أن الإنسانية اليوم تأملت، ولكن في الخلاص من قيود الحياة وثقل مُثلها الإنسانية وتبعاتها. . . هذا حق يا بني، فإن الفضائل اليوم أصبحت قيود الحياة، لأن الإنسان قد غرق في الشهوات وحب الذات، ولأن نفسه قد فسدت فرأى الشرور فضائل!!

وما هذه الحرب الضروس غير صورة لفساد تأمله. . . لقد صبغت الحرب يا بني كل شيء في الحياة بصبغة سوداء، وظاهرها الخوف وباطنها الموت والدمار، فدعنا من فلسفة تقودنا إليها، وعرج بنا على ناحية أخرى. . . فقد عرفت منك أن التأمل أساس الحياة، وأن هناك تأملاً في غاية الحياة ومثلها، وتأملاً في الخلاص من غاية الحياة ومثلها وتبعاتها، وأن الجيل يفسد بفساد تأمله، كما قلت لي إن القوة هي قوة الروح، وإن الضعف والفناء قد يكونان قوة، والفناء يجدد حياة. . . عرفت كل هذا فأحسست أن الجيل الحديث. - متجسماً في روحك وفكرك - يختلف كل الاختلاف عن جيلنا الذي ذهب بعضه وبقى بعضه! وأدركت أن الأجيال تتأثر بالفكرة التي تتولد فيها وتمتاز بها، ولكني لا أزال أشعر بامتياز جيلنا بالقوة والهيبة والشهامة. . . أحس فيه الهيبة الفطرية التي تتجلى في رهبة الابن لوالده والتلميذ لأستاذه، وكل الناس أمام رجل الدين. ولا زالت أشعر بامتيازه بسعة المعارف والمدارك وقوة الصبر والمجالدة. ولعل الدكتور زكي مبارك على حق في ثورته على شباب الأدب اليوم، وقلة صبرهم واضطلاعهم. . .

فقال: هذا حديث آخر أحب أن أطلعك على خواطري فيه، فهنا خزان ماء صناعي يُزود

<<  <  ج:
ص:  >  >>