وخطبة الحجاج، ولو تناول الأدب التحليلي كل جملة من هذه الجمل لصاغ منها صفحات)
فهل يدرك الأستاذ أحمد أمين وجوه الخطأ في كلامه هذا؟
إن خطاب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري من أنفس الخطابات في تحديد أصول القضاء، فهل كنت تنتظر أن يؤلف عمر بن الخطاب كتاباً في مجلد أو مجلدين يشرح فيهما لأبي موسى فروع القضاء؟
وما الذي تعيب على خطبة زياد وخطبة الحجاج؟
أتعيب عليهما الإيجاز؟ وما الموجب للإطناب وقد وقعت الخطبتان على رؤس من سمعوها وقوع الصواعق، وظلتا حديث الناس من جيل إلى جيل؟
ما رأيك في المستر تشمبرلن وقد ألقى خطبتين وجه إحداهما إلى مواطنيه الإنجليز، ووجه الثانية إلى أعدائه الألمان؟
ألا ترى أن هاتين الخطبتين أوجز من خطبتي زياد والحجاج؟
هما أوجز بلا جدال
فهل سمعت أن ناقداً أدبياً في فرنسا أو إنجلترا عاب على المستر تشمبرلن أنه أوجز ولم يطنب؟ هل سمعت؟ هل سمعت؟
وا أسفاه!!
إن المستر تشمبرلن حوله أمة تفهم أقدار الرجال، فقد أعلن الإنجليز عطفهم عليه حين رأوه يبكي جهوده الضائعة في الدعوة إلى السلام
وكان العرب أمة تفهم أقدار الرجال إلى عهد الحجاج: فقد كان مالك بن دينار يظهر عطفه على الحجاج كما أعلن الإنجليز عطفهم على تشمبرلن. كان مالك بن دينار يقول: ما سمعت الحجاج يشكو أهل العراق إلا رحمته منهم!
إن أحمد أمين يقول إن كل جملة من كتاب عمر بن الخطاب وخطبة زياد وخطبة الحجاج يصاغ منها عند التحليل صفحات، ويعد ذلك شاهداً على ميل العرب إلى الأدب التحليلي، فما الذي يقوله أحمد أمين في خطاب تشمبرلن إلى الألمان؟
إن خطاب تشمبرلن قد يصاغ منه عند التحليل مجلدات لا صفحات، ومع ذلك لم يقل أحد بأن هذا الخطاب شاهد على أن الإنجليز لا يحسنون تحليل المعاني والأغراض