إن المستر تشمبرلن يفهم ما كان يفهمه زياد والحجاج
هو يفهم أن الجمل القصيرة المركزة المحكمة هي التي تبقى في الأذهان والقلوب، ويدرك أن التهديد الذي يصبه الخطيب في جملة أو جملتين، والسخرية التي يصوغها في كلمة أو كلمتين، أبقى أثراً من الكلام المطول المبسوط الذي يصاغ في صفحات
أيعرف أحمد أمين ما الذي سطره الفرنسيون على مدخل البانثيون؟
سطروا هذه العبارة الموجزة:
وهي عبارة تُشرح في مجلدات لا صفحات
أيعرف أحمد أمين الجملة المسطورة على باب قصر التين؟
هي الجملة القليلة الألفاظ الكثيرة المعاني الجملة التي تقول:
(العدل أساس الملك)
وهي أنفع من ألف كتاب في شرح مزايا العدل وأثره في حياطة الملك
أيذكر أحمد أمين الآية المكتوبة في جميع المحاكم المصرية فوق منصة القضاء؟
هي كلمة القرآن المجيد:
(وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل)
فهل يعدّ ذلك الإيجاز من الخطأ؟ أم يراه غاية في تذكير الناس بأصول الحقائق؟
يجب أن يعرف الأستاذ أحمد أمين أن العرب لم يستهينوا بالإطناب ولم يعدوه من المبتذلات حتى يحكم بأنهم يرونه من أدب العوامّ لا أدب الخواصّ. فالإطناب أسلوب من البيان يقصد إليه الشاعر والكاتب والخطيب حين يدعو المقام إليه، وهو أسلوب شريف لم يحتقره أحد من أهل البلاغة كما توهم أحمد أمين
وهل كانت سائر الكتب على نمط كتاب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري؟
أين هو من الكتب المطولة التي كان يبعث بها علي بن أبي طالب إلى عماله في الأقاليم البعيدة والأقطار القصية؟ وأين هو من كتب العهود التي صارت بعد ذلك من تقاليد الحكومة الإسلامية؟
وهل كانت سائر الخطب كخطبة زياد وخطبة الحجاج؟
أين هو من الخطباء المطنبين الذي تحدث عنهم الجاحظ في البيان والتبيين؟