أين خطب سحبان الذي كان يهدر بها من الظهر إلى الأصيل؟
أين أحاديث صعصعة بن صوحان؟
أين مشاورة المهدي لأهل بيته، وهي من أنفس الذخائر الأدبية؟
وتحدث أحمد أمين عن الإيجاز الذي التزمه مؤرخو العرب في كتب التراجم وعده من عيوب السليقة العربية، فهل كان ينتظر أن تصاغ تلك التراجم على نحو ما نصنع اليوم، وعلى نحو ما يصنع الأوربيون؟
كان هذا ممكناً لو أن المؤرخ العربي كان يقصر جهده على الترجمة لرجلين أو عشرة رجال، ولكن هذا كان من المستحيل على من يترجمون لعشرات أو مئات أو ألوف
وما الذي قرأ أحمد أمين من كتب التراجم؟
هل عرف كتب الطبقات: طبقات النحويين واللغويين والفقهاء والصوفية؟
إن كان عرف تلك الكتب فليحدثني كيف كان يمكن لرجل مثل السبكي أن يصنع أكثر مما صنع في طبقات الشافعية؟
وليحدثني كيف كان يمكن لأبي الفرج أن يصنع أكثر مما صنع في كتاب الأغاني؟ وليحدثني كيف كان يمكن لياقوت أن يصنع أكثر مما صنع في كتاب إرشاد الأريب؟ وليحدثني كيف كان يمكن للمقري أن يصنع أكثر مما صنع في نفح الطيب؟
لو أن هؤلاء الرجال ترجموا للشعراء والكتاب والخطباء والمؤلفين على نحو ما نصنع اليوم لأضاعوا علينا فرصاً لا تعود أبد الدهر، لأنه كان يستحيل عليهم أن يحدثونا عن جميع تلك الطوائف، وكانت هممهم ستقف عند الترجمة لعدد قليل من أصحاب المواهب في الأقطار العربية والإسلامية
فما الذي يستفيد أحمد أمين حين يغض من أقدار أولئك الرجال، وهو من فضلاتهم يعيش؟
هل يعرف كم ألوفاً من الأدباء والمؤرخين انتفعوا بجهود مؤلف الأغاني؟
هل يعرف أن ابن خلكان الذي احتقره وازدراه أدى مهمة يعجز عنها الأكثرون؟
إن أحمد أمين يعيش في عصر المطبعة، والسبل أمامه ممهدة لنشر ما يشاء، فما الذي صنع، وما الذي صنع زملاؤه في الترجمة لأعلام العصر الحديث؟
ليت دنيانا الحاضرة تعرف رجلاً مثل ياقوت يترجم لأقطاب الفكر والبيان في مصر