فإذا كانت له قوة خلق تصحب المعرفة غلب الهوى بالجمع بين معرفته وقوة خلقه، وأصبحت مصلحته تابعة لما يلزمها من جادة قويمة في رأيه
ولكن الشيوعيين لا يغلبون هوى المصلحة، لأن الخروج منه مستحيل، وإنما يغلبونه لأن تغليبه نافع لهم فيما يقدرونه ويفسرون به الأمور
ولا نقول: إن الشيوعيين وحدهم يغلبون الهوى في تفسير التاريخ وتصوير الحقائق، فهذه خليقة شائعة بين جميع الناس ملحوظة بين أصحاب المذاهب بلا استثناء
ولكننا نقول: إن الشيوعيين وحدهم هم الذين جعلوا ذلك فرضاً لا مناص منه، ولم يجعلوه عيباً يصححونه ويخجلون من إعلانه
وهذا هو الفارق الكبير بين الرأيين
فعلينا أن نعترف بالهوى ولا نجهل صنيعه في أفاعيل الأمم والأفراد، ولكن علينا أن نغالبه ما استطعنا كلما عرفناه واقتدرنا عليه
وهذا هو الواجب في كل عيب من العيوب، أياً كان سببه وأياً كان الناظر إليه
فأذكر أن (برتراند رسل) الفيلسوف الرياضي الباحث الاجتماعي الكبير قد أشار في بعض كتبه بإباحة العلاقات بين الفتيان والفتيات (بغير بنين) ليتم لهم اختبار الحياة الجنسية قبل الاضطلاع بتبعاتها، ولأن المنع رياء ما دامت الإباحة قائمة فعلاً وإن سترت عن أعين المجتمع والشريعة
فأما اختيار الحياة الجنسية فليست الإباحة سبيله الوحيد، وليس الزواج بعلاقة جنسية وكفى فيكون اختباره من طريق ذلك الانطلاق
وأما أن الإباحة مطلوبة ما دامت حاصلة، فهذا الذي يشبه عندنا مذهب الشيوعيين أن الهوى مفروض ما دام من عادات بني آدم
فالسرقة موجودة ولا نعالجها برفع العقوبة عنها، والسقم الذي يأتي من الطعام موجود ولا نعالجه بتسويغ الطعام المسقم للأبدان؛ وإنما وجود هذه الآفات هو الذي يدعونا إلى محاربتها واستئصالها؛ إذ نحن لا نحاربها وهي معدومة غير مكروهة الوجود
هو الهوى إذن نقص في طبيعة الإنسان تميز به بين المخلوقات لأنه طريقة إلى التمام
فلا نرميه ولا ندخره، ولكننا نتناوله بضاعة للاستبدال كلما تسنى لنا أن نبدل به بعض