فالرافعي يعد من جهابذة أعلام الإسلام الخالدين إذ كان أعلم أهل عصره وأبرعهم في تبيان فضائل القرآن، التي تتفق مع كل زمان، وتساير كل تطور. . . كان يبذل جهد الجبابرة لبعث الثقافة العربية التليدة المجيدة، وإبراز محاسن (الجملة القرآنية) الناصعة الرائعة المعجزة. كل ذلك بأسلوب رصين مكين، وعبارة مشرقة مونقة، ولفظ فخم جزل منتقى. . . يكسو معاني أرتنا النجوم والشمس حية! وجلت صدأ الأذهان وأنارتها، وفجرت ينابيع الرحمة والحنان، والإيمان والعرفان، في صحراء القلوب المجدبة! فأضاف إلى العربية كنوزاً نفيسة من الآداب الرفيعة، والمآثر الجليلة. . . الباقية على الدهر ما بقي الدهر، بل هي أبقى على الدهر من الدهر!؟ فأنت إذا ما حاولت أن تستوعب تلك المآثر وتحتويها في لب لبك، سوف تجد نفسك أمام بحر عجيب لجب، واسع عميق، يحوي كل نفيس من غالي الدرر واللآلئ، أو قل يحوي ما هو أغلى من ذلك وأنفس؟! فالدرر النضيدة، واللآلئ الثمينة تتفق مع غرره الفريدة اليتيمة في جميع المزايا؛ من حيث الندرة والنفاسة، وجمال السبك وفنية الصياغة. إلا أن الدرر واللآلئ تنقصها تلك الروح الشهية البهية، التي تترقرق حياة خلال منطقه السامق السديد المحكم!. وأنت إذا ما بحثت في تلك المؤلفات ألفيت بحوثاً شائقة رائقة، وإنشاء وصفياً حكمياً في الأدب وتاريخه وسموه وعبقرياته.
وأول مؤلفاته ديوانان من براعم الشعر وعيونه. . هما: ديوان الرافعي (في ثلاثة أجزاء)، وديوان النظرات. . . وفي شعر الرافعي يقول حافظ:
أراك - وأنت نبت اليوم - تمشي ... بشعرك فوق هام الأولينا
وأُوتيتَ النبوة في المعاني ... وما دانيتَ حد الأربعينا
فَزِن تاج الرآسة بعد سامي ... كما زانت فرائده الجبينا
وهذا الصولجان فكن حريصاً ... على ملك القريض وكن أمينا
فحسبك أن مُطْرِيك (ابن هاني) ... وأنك قد غدوت له قرينا
ونذكر بعد ذلك من آثاره أخطرها شأناً وأعزها مقاماً في عالم الأدب المعاصر؛ ونعني به كتاب (تاريخ آداب العرب) بأجزائه الثلاثة المنوعة. . . الذي تجلت لنا فيه شخصية الرافعي الشاب النابغة، والمؤرخ العالم المحقق الثقة، الذي ينيف عمره عن الثلاثين!