منثورون في صحرائهم محجوبون بها عن عيون الأمم الطامعة كأنهم جن متخفية في عالم بعيد. . .
سيوفهم شائلات كأذناب العقارب يضربون بها دفاعاً عن الحرمات، وعشقاً للحريات، وشراء للشرف والمكرمات. . .
إبلهم تهدر في صمت الصحراء بأصوات كالأمواج المحبوسة والزلازل المكتومة. . .
تسيل بها الأباطح راقصة برقابها البيض والسود ورؤوسها الصغيرة ذات العيون الساهمة. . .
يحدو لها إنسانها بأصوات صادرة من قلوب عميقة تيمها الحب والشوق الأبدي، وجرحها الفراق الدائم في سبيل الرعي والانتجاع وحب الأسفار والفرار من ثأر أو لإدراك ثأر. . .
يظعنون بها قوافل، عنق جمل في ذيل آخر، في خطوط طويلة ترتسم على الآفاق في الأماسي والأسحار والضحوات والأصائل. . . تحسبها أشباحاً ضالة تهيم في خيال شاعر. . .
حتى إذا وصلوا إلى شواطئ الحضارة في الشمال أو الشرق أخذوا حاجاتهم المحدودة من أسواقها، وتسقطوا أخبارها، ثم عادوا بجْر الحقائب بركب موسوق تعربد قلوبهم من الشوق إلى الحبائب اللواتي هن النعيم العزيز الوحيد للقلب العربي الذكي المحروم
والخيام تخفق فيها هبوات الريح على الرُّبا والتلاع، أمامها نيران موقدة تنادي بضوئها عيون الضالين الغرقى في أمواج البيد والظلمات. . .
والنيران راقصة عارية تغازلها عيون الرجال من بعيد. . .
والصبية والجواري يرقصن ويغنين بأصوات فيها أنغام محدودة مكررة. . .
وتحمل النسائم أصواتهن إلى آذان الخيل فترقص في حماسة وخيلاء. . .
ثم يفنى كل هذا في صمت الصحراء!
أمة اندمجت في الطبيعة، غابت فيها بأشخاصها، وعبدت مظاهر القوة فيها، وتسمى أفرادها بأسماء الجماد والنبات والوحش فقالوا: أسد وذئب وكلب وثعلب ونمر ويربوع وحجر وحنظل وجندب ومرة وزهرة وأنف الناقة. . .
ووضعوا قلوبهم على كل شئ فيها يتحسسون نبض الحياة، كما يعلق الفنان المستغرق