ولكن مصر مع هذا دولة ضعيفة، فجيشها برغم قوة روحه المعنوية وبرغم شجاعة ضباطه وجنوده؛ ما يزال بعيداً عن مكانه المرموق. ولا تقع تبعة ذلك على مصر أو على المصريين. وإنما يرجع ذلك إلى موقف إنجلترا من مصر. ذلك أنه بمقتضى معاهدة الصداقة والتحالف بين مصر وإنجلترا سنة ١٩٣٦ تعهدت إنجلترا بإمداد مصر بما تحتاج إليه من أسلحة وذخائر. ولمن إنجلترا - رغبة منها في بقاء مصر ضعيفة - ما تزال حتى الآن تماطل في إمداد مصر بما تحتاج إليه من أسلحة وذخائر. وربما كانت مصر الصديقة القوية خيراً لإنجلترا من مصر الضعيفة، ولكن (الثعبان) البريطاني لا يؤمن بذلك
ومصر دولة متعلمة: فيها جامعات أربع ومعاهد متعددة ومئات من المدارس الثانوية وآلاف من المدارس الابتدائية والأولية. فيها تعليم مدني وفيها تعليم ديني يشرف عليه الأزهر الشريف، ومع هذا فما تزال الكثرة في مصر جاهلة. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى نرى أن الحياة العلمية في مصر ما تزال دونها في أوربا وأمريكا. ولقد حلق أدباؤنا في آفاق الأدب وبلغ بعضهم مكانة ينافس بها أعظم الأدباء العالميين. أما علماؤنا فما يزالون في حاجة إلى أن ينهضوا وإلى أن ينشطوا حتى يلحقوا بزملائهم من علماء الغرب
ومصر دولة مؤمنة: فيها أقوام يؤمنون بربهم أشد الإيمان وزادهم ربهم هدى. يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة. ويخلصون لله فيما بينهم وبين أنفسهم، ويعملون الصالحات ويخشون ربهم ويسعون لمرضاته
ومع هذا فإننا نرى قوماً قد تخلوا عن آداب دينهم وعن تقاليد مواطنيهم وعاداتهم، فإذا أقبل الصيف هرع القوم إلى موانئ البحر: الإسكندرية، وبور سعيد، ودمياط ورأس البر والسويس. وهناك ينزل النساء إلى البحر كاسيات عاريات كأنهن على شواطئ كاليفورنيا أو دوفيل، فإذا خرجن من الماء استلقين على الرمال وقد برزت منهن النهود وتعرت السواعد والسيقان والأفخاذ، وتناثرت الشعور ونسوا تماماً قوله تعالى:(يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفوراً رحيما)
ومع هذا أيضاً ففي مصر عائلات محافظة وبيوت ما تزال تحافظ على تقاليد الإسلام أشد المحافظة. بل أنه ما يزال هناك قوم في صعيد مصر لا يسمحون للمرأة أن تخرج بتاتا،