للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

حصره باطلاً معروفاً لما شاع عنه أنه حصور؟ ترى هل كان يمكن أن يقال عنه إنه حصور وله ذرية غير متهمة؟ ترى هل كان يمكن أن يقال عنه إنه حصور وله امرأة تعلم هي على الأقل أن الاتهام باطل وأن هذا الاتهام الباطل دليل على شئ مخبوء؟

لماذا خطر له أن أصحاب حديث الإفك لن يشيعوا ما ينقض البرهان؟ ولم يخطر له أنهم قد يشيعون ذلك اعتماداً على التباس التهمة التي تحتمل كل التباس؟

لماذا؟. . . أللعلم الذي لا جدل فيه، أم لشهوة النفس التي لا علم فيها ولا أمانة للحق والتاريخ؟

وخلاصة هذه الأمثلة أن المسألة مكشوفة لا يجدي مداراتها اللغط بألفاظ البحث والعلم والاستقراء، فإنما يكون الاستقراء علمياً عند هذا الكاتب وأمثاله كلما أفضى إلى تشكيا واسترابة، ولا يكون الاستقراء علمياً ولا محموداً ولا واجباً على الباحث أن يلم به إلماماً في عرض الطريق كلما أفضى إلى تبر وتعظيم

وإذا قلنا إن السيدة عائشة مؤمنة بنبوة محمد عليه السلام ظهر في سيرتها جميعاً لم يفهم معنى هذه الدلالة وراح يقول: ألا يخطئ المؤمنون والمؤمنات؟ ويفوته أن المسألة هنا ليست مسألة الخطأ بل مسألة الشك في علم النبي بالخطأ من طريق الوحي والإلهام. ومن واجب الباحث أن يستبعد وقوع الخطأ من هذا القبيل، لأنه لم يحدث قط في حياة الأنبياء، ولأن الإغراء الذي يقاوم كل هذه الموانع غير موجود ولا مفروض في حديث الإفك السخيف الذي لا برهان عليه

وبعد، فإن كنا نأسف لشيء فإنما لمجلة (كالمقتطف) أن تتورط في مثل هذا الإسفاف وقد تنزهت عنه في أيدي كتابها الأفاضل حقبة من الزمان، وأن تسلم زمامها إلى هازلين يعبثون بكرامتها ويخرجون بها عن سوائها وهم ما هم من قلة الفهم وقلة الذوق وقلة الإنصاف، وحظهم من حب العلم والحقيقة ما رأيناه، وهو حظ يلحقهم بدعاة التبشير ويخرجهم من زمرة كتاب المقتطف المعهودين، وللقائمين على المقتطف أن يختاروا لمجلتهم ما يحلو لهم من مصير، ولكن القراء أيقاظ لا يغفلون.

عباس محمود العقاد

<<  <  ج:
ص:  >  >>