الأناقة وحسن التنسيق، وكذلك المطاعم والمقاهي يبدو عليها طابع الأناقة والبهجة والذوق الحسن؛ ونستطيع أن نقول إن مدينة صغيرة مثل بازل أو تسيريخ تتمتع بمجموعة من الفنادق والمطاعم الأنيقة لا توجد في مدينة عظيمة كباريس، التي ما زالت فنادقها متأخرة من حيث الفخامة والتنسيق والرفاهة نحو نصف قرن عن فنادق العواصم الأخرى.
غير انه لا بد أن نقولهنا أن السائح يدفع لهذه الأناقة والرفاهة في سويسرا ثمناً غالياً، ذلك أن موجة من الغلاء المرهق تعم سويسرا؛ وقد كانت سويسرا وقت زيارتنا لها في أغسطس من أشد الدول تمسكاً بقاعدة الذهب، وقد كان الجنيه الإنكليزي يساوي ١٥ فرنكا سويسرياً فقط؛ ولم يمض علينا في بازل يوم واحد حتى أدركنا فداحة هذا الغلاء الذي ينغص على السائح كل شيء خصوصاً إذا كان يحمل نقداً خارجا عن عيار الذهب كالجنيه الإنكليزي أو المصري؛ فالسائح المتوسط لا يستطيع أن يعيش في سويسرا عيشة لائقة مريحة بأقل من ٢٥ إلى ٣٠ فرنكا في اليوم (١٦٠ إلى ٢٠٠ قرش)، واليك بعض الأمثلة العملية؛ فأجرة الغرفة في فندق متوسط تساوي من ٦ إلى ٨ فرنكات يومياً (والفرنك ستة قروش ونصف) وأجرة الحمام فرنك ونصف ووجبة الطعام في مطعم لائق تساوي ٣ - ٤ فرنكات، والقهوة أو قدح البيرة يساوي فرنكا، وهكذا؛ وأذكر أنني دفعت حين وصولي إلى محطة بازل نحو ثلاثة فرنكات (عشرين قرشاً) أجرة لحمل حقيبتيّ من المحطة إلى الفندق الذي لا يبعد عنها أكثر من مائة متر ودفعت مثلها حين سفري من بازل، ووقع مثل ذلك كرة أخرى حين وصولي إلى تسريخ وسفري منها؛ وهذا من أشنع ما لقيت من صور الغلاء، وتقضي تعريفه الحمالين الرسمية بأن يدفع المسافر نصف فرنك (خمسين سنتاً) عن كل قطعة، وأن يضاعف هذا الأجر ما بين الساعة العاشرة مساء والساعة السادسة صباحاً، ولا يتعدى عمال المحطة باب الخروج حيث تقف عربات التاكسي، وعندئذ يتسلمك حمال الفندق أو تركب التاكسي، وكذلك لا يسمح لحمال الفندق أن يتعدى باب المحطة؛ ومن ذكريات هذا الغلاء الشنيع أيضاً أنني دفعت فرنكين ونصف (١٧ قرشاً) أجرة لقص الشعر! وهكذا قضينا بضعة أيام نكتوي في بازل وفي تسيربخ بنار هذا الغلاء الشنيع الذي لا يكاد يلطف من وقعه شيء.
ولقد اشتهرت سويسرا بأنها بلد السياحة، وقد حبتها الطبيعة فعلاً وحبت مجتمعاتها بكل ما