يرتكض في أحشائي، قد احتسبتُ نِطاقي في سبيل الله؛ فوالله ما أجدني احتسبتُ بنيّ عبدَ الله اليوم إلا كما احتسبت نطاقي ذاكم. وأعود إلى دار أبي بكر ويأتي نفرٌ من قريش فيهم أبو جهلٍ فوقفوا ببابها، فأخرج إليهم فيقولون: أين أبوك يا بنت أبي بكرٍ؟ فأقول: لا أدري والله أين أبي؛ فيرفع أبو جهل يده - وكان فاحشاً خبيثاً - فيلطم خدَّي لطمة يطرح منها قُرطي، فتُغول بي الأرض الفضاء، فوالله لما لقيتُ من حَجّاجكم هذا أهونُ عندي مما لقيتُ من لطمة أبي جهل وأنا بعبد الله حامِلٌ مُتِمُّ. يا بَنيّ إني آخر المهاجرين والمهاجراتِ، لم يبقَ على ظهرِها بعدَ عبد الله منهم غيري؛ فلا والله ما حَسَنٌ أن يَجزَعَ من هاجَر - وإنّ شأن الهجرة لشديدٌ - وما حَسنٌ أن يجزع من شهد المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه، وكيف وقد أربيت على المائة؟
يا بني جزاكم لله عني وعن أخيكم خيراً، قوموا لشأنكم وذروني وشأني يرحمكم الله)
وودَّعنا وانصرفنا، ولا والله ما نجدُ لأسماء في الرجال ضريباً، فأين في النساء؟ ولكنها كانت تصبر صبر المهاجرين الأولين على الجهد والبلاء
وما كان صُبح خامسة من مقتل ولَدها حتى استجابت لدعوة ربّها رضي الله عنها وأرضاها، وهي أمٌّ حنَّت تكتم حنينها، ولكأنه عجَّل بها موته فقطع نياطها وصدع فؤادها، وفلق كبدها عليه حنينها إليه. . . . . .