الخالق، وشعوره بأنه مخلوق عاجز، وحين ييأس من أن يرى الله بنفسه مع أنه جزء منه، وحين يظل فكره دائراً حائراً في متاهات السموات والأرض يبحث عن (مصدره الأول) فلا يراه إلا في المظاهر المادية التي كان يراها نفس الرؤية قبل اختلاطه وشعوره بازدواج الشخصية بين خالق ومخلوق وخالد وفانٍ. حينئذ يبتدئ ينشد لنفسه ويغني على هواها باعتبارها جزءاً من الله، كالحلاج وابن عربي. وهنا ابتداء التجديف و (الجنون الديني) والبيان الملتبس الذي تختل فيه مقاييس المنطق الإنساني، لأنه يصير خليطاً من منطق الخالق المتوهَّم والمخلوق الواهِم. . .
ومذهب الحلول ومذهب الاتحاد أو الوحدة غالباً يكون اللجوء إليهما بعد الإعياء في البحث عن الله وابتغاء رؤيته والاقتراب منه والأخذ عنه مباشرة، وما ينبغي لأفكارنا المحدودة العاجزة الرهينة المسجونة في أقفاص الأرض الضئيلة بالنسبة للكون أن تطلب هذا المطلب الأعلى الذي لا تدركه الأبصار والأفكار ولا يعلم قدره غيره. وقد قال محمد سيد الأصفياء:(إن الله احتجب عن الأنظار، وإن الملأ الأعلى ليطلبونه كما تطلبونه)
ولعل لنا عودة إلى هذا الموضوع بتفصيل يتناول منشأ الأوهام التي دخلت فكرة البحث عن الله وأفسدتها
٢ - لم ير الأستاذ صدقي رأيي القائل:(وبدهي أن النظرة الأولى تهدي إلى أن الله غير الطبيعة، وأن هناك انفصالاً بين الخالق والمخلوق)
ويلوح لي أنه التبس عليه فهم هذه الجملة، فخلط بين بداهة هدى النظرة الأولى إلى أن الله غير الطبيعة الخ. وبين القضية في ذاتها بعد التفكير العميق فيها. . . فالقضية في ذاتها غير بديهية بعد التفكير العميق وإدارة الرأي والزوية، ولكن النظرة الأولى الفطرية الساذجة ترى انفصال النفس عن الطبيعة وانفصال الله عنها. لأنها أول درجات الفكر في الطبيعة ومصدرها. ثم بعد ذلك يبتدئ الفكر الفلسفي الذي يشك في كل شيء، ويطلب مبدأ كل شيء، يحيل هذا البديهي إلى شيء معقد. فيطلب مصدر الطبيعة: فتارة يقول إنه لا مصدر لها، وتارة يقول إن مصدرها ممتزج بها، وتارة يقول إن مصدرها منفصل عنها. ولذلك أكرر القول إن النظرة الأولى تهدي إلى ذلك. ثم يأتي التأمل الذي لا يقنع بالظاهر الواضح فيطمس هذه النظرة، ويوغل فيما وراء سطح الوجود. ويلتبس عليه كثير من البديهي فلا