للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يرى بداهته، بل يطلب له الأدلة والبراهين.

وحقاً يتحول كل بديهي إلى غير بديهي حين يوغل الفكر فيه ويتعمقه، ألا ترى أن بعض المدارس الفلسفية تزعم أن حقائق الأشياء غير ثابتة، وأن المحسوس لا يجوز اتخاذه أساساً، وأن الموجودات كلها أوهام، وأنه ليس في الكون كله حقيقة ثابتة؟ حتى لقد قال بعضهم (لو وجدت حقيقة ثابتة واحدة لاتخذتها أساساً أبني عليه جميع الحقائق!) ألم تسمع بالنظرية الجديدة التي تبطل السببية، وتقول إن الكون يسير بالاحتمالات التي لا نهاية لها! ألم تسمع بذلك السفسطائي اليوناني الذي أنكر وجود جدار أمامه وقال إنه وهم من الأوهام، فلما تحداه مناظره أن يقوم ويخترقه إن كان زعمه صحيحاً قام وجرى إليه حتى اصطدم به فكانت النتيجة ارتطام جسمه وتمزق أوصاله!؟

إن الفكر البشري كائن عجيب متمرد له قدرة هائلة على الذهاب في أي إتجاه، وخلق عوالم صناعية وخيالية لا وجود لها. وصخرة النجاة أمامه هي الاستمساك بالعيش على سطح الحياة وأخذ الحياة بدون تعمق وتعقيد لما تحت البديهي السطحي حتى يبقى لنا شيء ثابت نرتكز عليه. إنما يباح لنا فقط إدمان التعجب مما نرى وتقلب أفكارنا وأيدينا فيه بقدر ما نستطيع أن نسخره ونستغله ونتغلب عليه حتى لا تتهددنا عوامل الشقاء والفناء

وقد ظل الناس خاضعين لفلسفة الفروض والتجريدات يدورون فيها دوراناً عقيماً حتى أتى دور الفلسفة التجريبية التي نادى بها (فرنسيس بيكون) ودور الفلسفة الإثباتية التي ثبت قواعدها (ديكارت) فكانت النتائج الباهرة في العلوم والمعارف الطبيعية والنفسية التي فتحت على الناس بركات من السماء والأرض، وما تزال تفتح. وقد أقبلت البشرية على هذا الاتجاه العلمي الإثباتي فعاشت به عيشة رحبة زادت ثقتها في نفسها وحياتها، وفتحت عليها كنوز الآمال السعيدة، واستدبرت عالم الفروض الفلسفية والخيالات والشك فيما لا طائل وراء الشك فيه، ولا قدرة على الاستغناء عنه، واتخذت بدهيات الحس والفكر قواعد ارتكاز فثبتت أقدامها على الطريق إلى الله. . . ووجدت وحدة منطقها وجهدها تتحقق في هذا الطريق

٣ - استطلع الأستاذ رأيي في هل يجوز أن نتخذ الطريقة الموضوعية في بحث المسائل الدينية؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>