ورأيي أنه لا يجوز لنا أن نصطنع الطريقة (الذاتية) إلا في (الفن) وحده. أما العلم والدين فلن يسمحا (للذاتية) أن تنطلق في رحابهما
والموضوعية في العلم أمرها واضح. أما موضوعية الدين فتحتاج إلى بيان:
إن مجال العلم هو البحث في الكون المادي فيما يستطيع أن يصل إليه بأدواته المعروفة ليصل من وراء ذلك إلى (القوانين) التي تسير بها الطبيعة ليرضي كفاية (الإثبات) في النفس البشرية. وليستطيع أن (يعتمد) على هذه القوانين كحقائق لا تتبدل ولا تتغير. وليرضى في النفس كفاية (الاختيار والحرية) بين القوى المادية العمياء الجامدة المجبورة والمجال الأصلي للدين هو نفس مجال العلم. هو الكون المادي أيضاً، ولكن لا على الاعتبار السابق؛ ولكن على اعتبار آخر هو استنتاج (صفات) صانع هذا الكون من الكون؛ ليرضى في النفس كفاية (الاعتقاد) وهذه هي الفكرة الأصلية في الدين. فكرة الاعتقاد بصانع لهذا الكون له من العلم والقدرة والإحاطة بكل دقيق وجليل في الكون ما ظهرت آثاره وما وضح في قوانينه من الدقة والإحكام وعدم التناقض
والذي لا شك فيه عند العقول الموزونة التي لم تنحرف ولم تشذ عن الفطرة أن الإحكام والدقة والجلال والجمال والتنويع والتفريع والاطراد وغيرها من صفات الكون توحي وتلزم كل عقل غير مدخول أن وراء هذا الكون عقلاً أعظم منه يدبره ويقوم عليه. له من العلم والقدرة والحكمة والإحاطة والهيمنة والقهر وغيرها من صفات الكمال ما يليق بالقِوامَة والتدبير لهذا الكون الرحب الذي لا تدرك نهايته الأوهام البشرية. هذه هي الفكرة الأولى في الدين. وهي فكرة لا شك (موضوعية) موضوعها الكون كله ليستنتج الناس منه صفات خالقه. وهي صفات لا تختلف باختلاف جمهرة العقول
إن الدين بهذا الوضع (نتيجة) حتمية للعلم وضرورة لازمة للألفة (العقلية) التي لا بد منها في العقل العلمي. ولن يتأتى الكمال في العقل العلمي إلا إذا جمعت فيه كفاية (الإثبات) وكفاية (الاعتقاد) ورجال الدين بهذا الوضع هم رجال العلم الطبيعي وحدهم لا غيرهم من صناع الفروض والأوهام المفتونين بزخرف الكلام يرسلونه فارغاً إلا من نزعات شعرية وبدوات خيالية
ورجل العلم لا يبحث في ذات الله وكنهها، لأن الطريقة العلمية عوّدته أن يتدرج في أبجدية