الحقائق، وهو للآن ولما بعد الآن بكثير من الآباد لم يفرغ من إدراك موجودات الطبيعة المحدودة في الأرض الضئيلة ولم يدرك الروح الإنساني ولا أصل الحياة البيولوجية بل لم يدرك المادة، حتى أن (ملكن) أكبر علماء الكهرباء المعاصرين قال: (خبروني ما هي المادة قبل أن تسألوا ما هي الروح؟)
ولذلك قلت ينبغي للمتأملين التجريديين ألا يسرفوا على أنفسهم وعلى الكون كله فيحاولوا إدراك ذات الله قبل أن يدركوا ذات أنفسهم وذوات الأشياء المادية الضئيلة التافهة
إن الإنسانية إن قدر لها أن تدرك شيئاً من ذلك فلن يكون هذا الإدراك إلا عن طريق العلم الذي فتحت أبوابه وأقبلت حقائقه المخبوءة التي سوف تكون المنطق الإنساني الحديث الذي لا يقيم وزناً للتأمل الفلسفي أو الصوفي أو الشعري الشارد الجامح!
٤ - خشي الأستاذ من أن يجرنا قياس اتصال الله بالكون على اتصال العقل الإنساني بواسطة اللاسلكي بالآلات وإحاطته بها وإدراكه إياها إلى التورط في التجسيم والتشبيه!
وهذا الدليل الذي سقته لا يستلزم شيئاً من هذا. فليس اتصال الله بنا وبالكون بآلات ورواصد، كما هو الحال في اتصال الإنسان بالآلات والآفاق بواسطة اللاسلكي، وإنما هو اتصال مباشر بالعلم المحيط والقدرة التي لا تحتاج إلى وسائط وأدوات. . . واللاسلكي في معرض هذا الاستدلال ليس إلا مثلاً مضروباً يوضح لتلك العقول التي لم تر لها طريقاً للتصور إلا الإيمان بوحدة الوجود وعدم الانفصال بين الله والطبيعة؛ إذ أن خيالها ضاق عن تصور هذا الانفصال
وخلاصة هذا الدليل أننا إذا كنا نرى العقل البشري العاجز يتصل بمخلوقاته من الآلات بعد أن كونها وأعطاها قوانينها، ويتصرف فيها ويتحكم بها باللاسلكي وهو متحرر منها بعيد عنها غير ممتزج بها؛ فما بالنا لا نرى العقل الأعظم الذي نعرف قدرته يستطيع أن يتصل بنا بعلمه وقدرته بدون حاجة إلى الاتحاد والامتزاج؟!
وما ندري ماذا يأتينا به العلم من وسائط الاتصال؟ لعله يجعلنا نتصل بالأشياء ونؤثر فيها بدون حاجة إلى وسائط اللاسلكي وغير اللاسلكي. لعله يكشف في النفس قوة قادرة على ذلك. وهذا لا شك كمال لنا، وليس بمستحيل فرضه عقلاً. . .
فقبيح بنا أن يضيق تفكيرنا حتى نخضع رب الكون لما نستطيع نحن العجزة الضعفاء أن