إننا نحس في أنفسنا قدرة على الخلق والتحرر وتنقيح الطبيعة، فلماذا نجعل الله شبه سجين فيها لا يستطيع من قوانينها فكاكاً مع أنه واضع هذه القوانين، إذ لا جائز أن تكون وضعت نفسها؟!
إن أحلام الحرمان التي تطوف برءوس العجزة المحرومين لا يرضيها من القدرة والغنى إلا أن تأمر بالطعام، فيكون الطعام وببساطة الريح فيكون البساط، وبحك (خاتم القدرة) فيحضر المارد القدير، وبالنظرة في (البللورة السحرية) فترى ما استتر واستكن في طوايا السموات والأرض!
فإذا كان هذا هو ما في خيال الناس عن قدرة القادرين من العجزة المخلوقين، فكيف بما في الخيال حين يتصل بالله الذي يمسك السموات ويحبس البحار، ويدير ملايين الملايين من الكواكب في أفلاكها بغير اختلال وصدام، ويؤلف بين القوانين المتضادة في الطبيعة حتى يخرج منها (هرموني) وتناسقاً عجيباً!
إذن فلا تجسيم ولا تشبيه ولا مخابر ولا معامل كيمياء وفيزياء ولا نظارات ولا قارورات ولا اتصال بسيط أو غليظ كما يتوهم الأستاذ. وإنما هي إرادة عالمة قادرة تقول للمعدوم (كن) فيكون!
لقد حكى القرآن الكريم أن إبراهيم عليه السلام سأل ربه: رب أرني كيف تحيي الموتى! قال أو لم تؤمن؟ قال بلى، ولكن ليطمئن قلبي. قال فخذ أربعة من الطير فصرْهُنَّ إليك (اذبحهن) ثم اجعل على كل جبل منهن جزءاً، ثم أدْعهُنَّ يأتينك سعياً) وقد فعل إبراهيم فأتته ساعية من غير أن يرى شيئاً يجمعها ويركب أعضاءها ويهندس وضعها!
لقد توهم إبراهيم أن هناك (كيفية) للإحياء، وأن هناك أدوات ووسائل للخلق والتكوين، ولذلك سأل ربه سؤاله. ولكن تبين له بعد أن دعا أشلاء الطير المذبوحة المطروحة في كل أفق، فإذا بها مقبلة حية أن إيجاد الله ليس إلا بتوجيه الإرادة إليها، فإذا هي كائنة
٥ - أما الصوفية المادية التي ندعو إليها ويسألنا عنها الأستاذ؛ فقد سبق لنا أحاديث فيها بين تضاعيف مقالاتنا السابقة، وبخاصة المقال الرابع من مقالات (أومن بالإنسان) وقد نشر بالعدد ٣٩٦ من هذه المجلة، ومقال (الحياة صادقة) الذي نشر بالعدد ٢٠٦ من الثقافة