ليصيح بعد ذلك: وجدتها! وجدتها!. . . هنا سبب من أسباب الكدر كامن بين السطور لعله لا يظهر على وجه الكلام ولكنه مستور هنالك لمن يبحث عنه ويجري وراءه، وهو لهجة تعالٍ في الشكر، أو لهجة يخيل إلى من شاء التخيل أنها تشف عن التعالي ولا تبرئ الشكر من الجفاء
ثم يصيح برجلين يفهمان ما يقولان وما يقال لهما: أرأيتما؟ أليس خليقاً بكما ألا تصفوا؟ أيليق بكما أن تصفوا وبينكما هذا الذي أراه مانعاً للصفاء!
ذلك ما صنعه الأستاذ توفيق الحكيم
فهل في وصفه مبالغة؟ وهل صورناه بغير صورته القريبة التي تعرض نفسها لكل من ينظر إليها؟
أهدى إلي الدكتور طه حسين قصته (دعاء الكروان) فجعلت هذا الإهداء موضوع مقال من أعماق النفس في معنى الكروان ودعاء الكروان وذكريات الكروان، وقرأه كثيرون من الأدباء فحدثوني عنه حديث رضى وسرور، وفي مقدمتهم الدكتور طه مهدي دعاء الكروان
أما الأستاذ توفيق الحكيم فماذا صنع؟
لم يرضه ما أرضى الدكتور طه ولا ما أرضى الأدباء ولا ما أرضى كثرة القراء، وراح يتحدث ويكتب ليقول: هنا صفاء. . . فكيف بالله يليق هذا الصفاء؟
لو كان الأستاذ توفيق الحكيم يطلب الصفاء ويتوسل إليه بوسيلته المثلى لكانت له ندحه مما صنع ولو لم أكتب ذلك المقال عن دعاء الكروان.
نعم كان في وسعه أن يقول بينه وبين نفسه: لعل واجب الشكر قد أُدي في رسالة أو في مقابلة، أو سيؤدَّى في سانحة أدبية يأتي أوانها في حينها، أو لعلي أعرف الحقيقة إذا عنيت بالسؤال عنها عند أهلها.
هذا ما كان في وسع طالب الصفاء أن يصنعه ولو لم أكتب مقالي في (دعاء الكروان)
ولكن الأستاذ الحكيم لم يصنعه، ولم يزل يحمل ملقاطه ويضع مجهره على أنفه، ليخلق الكدر من شيء يبحث عنه بين السطور، ولا يراه على ظاهر السطور
أهذا هو طلب الصفاء والسعي إليه؟
فماذا يكون السعي إلى خلق الكدر والإشفاق من دوام الصفاء؟