كانت المناقشة بين الأستاذين زكي مبارك وتوفيق الحكيم قائمة يوم لقيت الأستاذ توفيقاً في إحدى المكتبات وفيها صديقنا الأستاذ على أدهم. فجرى ذكر تلك المناقشة وصارحت الحكيم فيما أراه فقلت له: إنك لم تبحث عن أسباب الإنصاف بعض بحثك عن أسباب الجفاء؛ لأنني لا أعرف ولا أذكر أنني قصرت في حق زميل إبان اشتغالي بالصحافة وتولِّي فيها صفحةً للأدب ودراسة المصنفات. فكل أديب أرسل إليَّ كتاباً في هذه الأثناء فقد نوهت به وكتبت عنه، ولكنني أنا أرسلت كتباً إلى زملاء يعرضون للمصنفات في المجلات فلم يذكروها ولم يشيروا إلى صدورها. فلماذا نسيت هذا وحاسبتني على ما تقول إنه شكر لم يبلغ ما تتخيله من الرقة والنعومة؟ لماذا تحاسب من يكتب ولا تحاسب من يهمل؟ ما الذي يعفي أولئك الزملاء من عرفان حقي، ويوجب عليّ أنا أن أبلغ الغاية التي يتخيلها كل متخيل من عرفان الحقوق؟
وتكلم الأستاذ الحكيم عن أولئك الزملاء فقلت له: إنني لا أفردهم بالملاحظة ولا أستثنيك أنت منها. فقد كتبت عنك مرتين أو ثلاثاً فكم كتبت عني؟ وما الذي يعفيك من هذا الواجب الذي لا أذكرك به إلا لمناقشة رأيك لا لأنني أطلبه أو أحتاج إليه؟
ثم بينت له موقفي من تقريظات العظماء الذين يثنون على كتبي فأشكر لهم ثناءهم ولا أنشره فيما أطبعه من كتبي، وإن كان في نشره فخر أعتز به كما يعتز به سائر المؤلفين
بينت له ذلك لكي لا يقع في روعه أنني أطالبه بواجب الكتابة أو أتقاضاه حقاً من الحقوق. فلو أردت ذلك لعمدت من قبل في عشرات السنين الماضية إلى نشر الكتابات التي وصلت إلى يدي وهي مما يسمح بنشره في جميع البلدان
ثم افترقنا ولم أسمع من الأستاذ الحكيم في تلك المقابلة ما يذهب بدهشتي من سعيه إلى الصفاء بذلك الأسلوب، ومن محاسبته إياي على الوهم بين السطور وهو يرى أناساً يسهون كل السهو عن حق الأدب وحق الزمالة، فيغضي عن الحقيقة الماثلة، وينسى السطور وما بين السطور
وفارقني تلك الليلة ولا أدري ما في نفسه، ولعله كما علمت بعد أيام قد تبين صواباً فيما قلت أو في بعض ما قلت فعدل إليه وكتب مقاله المشكور عن كتابي (عبقرية محمد) فقدمه بكلمات يقول فيها: (وقد سمحت لنفسي بالسبق إلى أداء هذه التحية، لأني فطنت إلى أني