المتخلف دون غيري عن أداء الواجبات، وليس لي من عذر إلا انصرافي عن باب النقد منذ أول الأمر). وهو موقف بار أحمده له كل الحمد وأعتقد أنه قد حُسب له عند القراء كما حسب له عندي في عداد الخلائق المرضية والفضائل الخلقية. ثم وجه إليّ بعد أيام أخرى خطاباً يقول فيه:
(إنك للمرة الأولى تخاطبني بهذه اللهجة التي كنت تخاطب بها الرافعي رحمه الله. أبهذه السرعة تضع الناس في صف أعدائك؟ لعلك لفرط ما قاسيت من شر الناس، ولقلة ما وجدت من خيرهم، أصبحت مثل (هملت) تستل سيفك لتضرب من خلف الأستار دون تبين الوجوه. فطعنت صديقاً وأنت لا تدري)
ولا أظن أنني أشبه (هملت) في كثير من خصاله وفعاله؛ ولكني إذا سئلت لم صنعت صنيع (هملت)؟ أفلا يجوز لي أن أسأل: ولم الوقوف وراء الأستار، وأولى من ذلك الخروج إلى وضح النهار؟ أليس هنالك بعض اللوم على من ينصت خلف الستر ليسمع ما لا يُسمع، أو ليقول ما لا يقال؟!
وبعد، فما العبرة من كل أولئك في تاريخ الأدب ونقده وسلوك الأدباء مشهورين كانوا أو غير مشهورين؟
العبرة من أولئك (أولاً) أن الأستاذ الحكيم يقول بعد الإشارة إلى ثناء الدكتور طه عليه منذّ سنوات: (. . . لم نسمع في غير مصر أن الناقد إذا أثنى على كتاب حسب أنه تفضل على مؤلفه ورفع شأنه من الحضيض، وأن على المؤلف واجباً مقدساً هو أن يشتري من فوره سبحة كيلا ينسى أن يسبح بحمد الناقد أناء الليل وأطراف النهار. . .)
كذلك يقول الأستاذ الحكيم اليوم. فليذكر مقاله الأدباء الناشئون الذين يؤمنون بكفاءة تشبه كفاءته الفنية، ليذكروا أنهم يطلبون شيئاً ينكرونه جاهدين بعد بضع سنوات: يطلبون التشجيع ثم ينكرون التشجيع، وكان أحرى بهم ألا يطلبوه وألا ينكروه، فما سمعنا في غير مصر أن الأدباء المشهورين مسئولون عن شهرة كل أديب ينشأ بعدهم ولا يعرف لهم حقهم، وإلا كانوا هم الملومين المقصرين
وعبرة أخرى أن الأستاذ الحكيم يذكر التعالي في موقف الكاتب وينسى أنه اختار لأدبه عنوان (البرج العاجي) وهو عنوان الأدب المصطلح على وصفه بالتعالي بين نقاد الغرب