النفس للشعر، سامي الخيال للقصص. كان إذا أعيت عليه مسألة ذهب إلى المسجد فتوضأ وصلى وابتهل إلى الله أن يجلو عليه ما غمض ويفك له ما أشكل. ثم كان له في الشعر العينية ومقطوعات أخرى من النمط الرفيع والنسق الفريد، وفي الأساطير (سلامان) و (حي بني يقظان) و (الطير)، وهي رموز لمعان سامية من الحكمة العالية والروحية الجميلة. وكان في الشيخ رحمه الله صوفية لا تجري على منهاج المتصوفة: صوفية هؤلاء وجدانية تقوم على الزهد والتقشف، وتقصد إلى تصفية القلب وتطهيره؛ وصوفيته هو عقلية تبيح النعيم واللهو وترمي إلى تقوية العقل وتنويره. وكان اعظم ما يميز الشيخ اليقين فيما يرى، والثقة فيما يقول، والإبانة فيما يكتب. كان لا يشك إذا علم، ولا يتردد إذا فهم، ولا يتحسس إذا استبان. وتلك طبيعة العالم لا الفيلسوف، والدارس لا يبحث، والمتبع لا المبتدع، والمؤلف لا المنشئ.
هذه إثارة من حياة حافلة، وإشارة إلى مجد باذخ، وعبارة من تاريخ ضخم. ذكرناها على هذا الإيجاز القاصر اكتفاء بما سيلقيه ذوو الاختصاص في حفلات مهرجانه من البحوث المفصلة في طبه، والخطب المطولة في فلسفته. وإنا لنحي خاشعين من وراء الستر ذكرى الشيخ الرئيس، ونسأل الله ضارعين أن ينعم روحه في الخلد، وان يطيب ذكره في الخلود.