فان الناس كلهم سواسية، وعدل الله وحكمته تقضي بالامتياز واحد على الآخر. أما المعجزات النبوية فهي ضرب من الأقاصيص الدينية أو اللباقة والمهارة التي يراد بها التغرير والتضليل. والتعاليم الدينية متناقضة يهدم بعضها بعضا ولا تتفق مع المبدأ القائل إن هناك حقيقة ثابتة؛ ذلك لأن كل نبي يلغي رسالة سابقه وينادي بأن ما جاء به هو الحق ولا الحق سواه؛ والناس في حيرة في أمر الأمام والمأموم والتابع والمتبوع.
والأديان في جملتها هي أصل الحروب التي وقعت فيها الإنسانية من قديم، وعدو الفلسفة والعلم. وربما كانت مؤلفات القدامى أمثال أبقراط وأقليدس وأفلاطون وأرسطو أنفع من الكتب المقدسة. يقول الرازي:(الأولى بحكمة الحكيم ورحمة الرحيم أن يلهم عبادة أجمعين معرفة منافعهم ومضارهم في عاجلهم وأجلهم ولا يفضل بعضهم على بعض، فلا يكون بينهم تنازع ولا اختلاف فيهلكوا. وذلك أحوط لهم من أن يجعل بعضهم أئمةً لبعض فتصدق كل فرقة أمامها وتكذب غيره، ويضرب بعضهم بالسيف ويعم البلاء ويهلكوا بالتعادي والمجاذبات، وقد هلك بذلك كثير من الناس كما نرى).
نظننا في غنى عن أن نشير إلى أن أقوال الرازي هذه تمثل أعنف حملة وجهت إلى الدين والنبوة طوال القرون الوسطى. بيد أن الشيخ أبا حاتم استطاع أن يقابل هذه الحملة وجهاً لوجه ويخذلها، وأن يهدم هذه الفتنة من أساسها. وفي كتابه أعلام النبوة صفحات تفيض إفحاماً وإعجازاً، ومناقشات تسد على المكابرين والمعاندين سبل التخلص والفرار. وحبذا لو نشر هذا الكتاب في جملته فضم آية إلى آيات الإسماعيلية الكثيرة وأثراً من آثارهم العلمية النفيسة. وأبو حاتم ممن أحسنوا الجدل والمناقشة والأخذ والرد. وكيف لا وهو داع مهمته أن ينتصر لدعوته، ويرد عنها شبه الخصوم والمعارضين؟ فهو لا يرد على الرازي بقضايا مسلمة وأدلة مشهورة، وإنما يحمله على أن يرفض نفسه بنفسه، ويبين له أن أقواله وآراءه متهافتة ومتناقضة. وهو فوق هذا لا يتكلم باسم الإسماعيلية وحدهم، بل باسم الإسلام والعقل والإنسانية جمعاء. ذلك لأن مشكلة النبوة لا تتصل برفقة دون فرقة، ولا تعني طائفة منفردة من طوائف الإسلام.
وقارئ كتاب أعلام النبوة لا يشعر مطلقاً أنه يحمل شارة خاصة على عكس كتب الفرق المختلفة. وهنا نقطة نحب أن نلفت النظر إليها، وهي أن حملة الرازي وابن الراوندي من