ويوفر لها الأسباب التي تعين على زيادة الإمتاع المستفاد منها.
وكنت كالذي وقف وفي يديه ما يشبه المنظار فإذا رفعه إلى عينيه لم ير إلا الصورة المطبوعة أو المنقوشة على زجاجة وهو يحسب انه يكبر له الأشياء ويجسم له المناظر. أما بعد التنقية فقد رميت هذا الذي كنت أحسبه منظاراً مكبراً ونظرت بعيني لا بعيون الغير فبدت لي الدنيا بما فيها من جمال وقبح ومن خير وشر ومن عرف ونكر، وأنا الآن أخوض العباب وأغالب التيار وأصارع الموج، وأطفو تارة وأرسب أخرى، ولا أعدم ما أتعلق به فأنجو وأستريح وأستجم إذا أدركنا التعب لاكما كنت - واقفاً على الساحل أصف ما لم أجرب وأتحدث عما لم أختبر تقليداً لإحساس غيري ومجاراة لنظراته وأنا لا أدري أني لست سوى مقلد وإن كنت أزعمني مبتكراً.
وخطرت لي حكاية، فقد زعموا أن صانعاً بارعاً منقطع النظير خاف المعجبون بحذقه وأستاذيته أن يدركه الأجل فيموت معه فنه ويلف عليه وعلى براعته كفن واحد، فتقدموا إليه يرجون منه أن يتخذ له تلاميذ يعلمهم فأبى، فألحوا فلم يلن، فشكوه إلى الحاكم فأمره أن يفعل فلم يطع فسجنه، ولبث في السجن أياماً، فتشاور محبوه وإخوانه في الأمر فقال أحدهم:(أنا أحل لكم هذا المشكل) ودعا إليه واحداً من أتباعه وقال له أنّا سنسجنك مع هذا الصانع في حجرة واحدة فكن معه الرفيق المخالف، فإذا ضحك فاعبس أنت، وإذا رأيته يعبس فاضحك أنت وقهقة، وهكذا في كل شيء. (ففعل الرجل كما أمره فكاد الصانع يجن وطلب أن يأخذوه إلى الحاكم، فلما صار عنده قال له إنه مستعد أن يعلم ألف تلميذ ولا يبقى ساعة واحدة مع هذا الرفيق المخالف في غرفة واحدة.
بمثل هذا يجب - في رأيي - أن يعالج الذين يصرون على الحكم لنفسهم بالخلود قبل أن تحكم لهم الأيام فما أعرف طريقة أجدى وأكفل بشفائهم من طريقة الرفيق المخالف.