للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يلهمون الشيء إلهاما غامضا ثم يتضح ما أُلهموا به على مر الأزمان وتأتي الفلسفة بعد فتشرح وتحلل وتدلل.

أما الوزن في الشعر فهو موسيقاه وله قيمة كبرى في الشعر حتى عُد أهم فارق بينه وبين النثر، والشعر يحلو بالموسيقى الجيدة ويضعف شأنه إذا ساءت موسيقاه. وارتباط الشعر بالموسيقى أشد من ارتباط الفنون الأخرى كالنقش والتصوير حتى كان الرومان يقولون: (إن الشعراء ليسوا إلا مغنين يترنمون بشعرهم ويغنون به لأنفسهم ولمن شاء أن يردده بعدهم).

ومن أنواع الشبه بين الموسيقى والشعر ما لاحظه بعضهم من أن كلا منهما يتنوع أنواعا متماثلة. فالصوت يختلف عن الصوت من نواح أربعة:

(١) من ناحية الطول والقصر (٢) والغلظة والرقة (٣) والارتفاع والانخفاض (٤) ومن ناحية مصدر الصوت كعود أو قانون.

وهذه النواحي الأربعة يمكن أن نراعيها في الشعر، فمن النوع الاول اختلاف التفاعيل طولا وقصراً فالرجز أقصر في التفاعيل من الطويل وهكذا. ولهذا الاختلاف تأثير كبير في الأذن الموسيقية.

كذلك نرى في الشعر ما يتناسب مع الشدة والضعف والغلظة والرقة. فالشعر قد يناسبه (أحياناً) حروف وكلمات ضخمة قوية وقد يناسبه حروف وكلمات لينة رخوة كالذي قالوا في قوله:

ألا أيها النوام ويحكموا هبّوا ... أسائلكم هل يقتل الرجل الحب؟

فالشطر الاول قوي شديد والثاني رخو ناعم

وفي الشعر ما يناسبه الهدوء والدقة كشعر الغزل، ومنه ما يناسبه الشدة والبطش، ويناسبه إنشاده في قوة وجلبة كشعر الحماسة. ونلاحظ في الموسيقى إن النغمة الواحدة إذا وقعت على الكمنجة ثم وقعت بعينها على البيانة كانت النغمتان مختلفتين تأثيرا، وهذا يقابله في الشعر القافية فالقصيدة على قافية قد يكون لها أثر لا يكون إذا قيلت على قافية أخرى وهكذا.

والشعر أقل تقدما وأبطأ خطى من النثر سواء في ذلك اللغة العربية وغيرها من اللغات،

<<  <  ج:
ص:  >  >>