للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

عصور مختلفة فما حط من شاعريتهم. ولقد أوردت أبياتا من قصيدة ابن سعيد المغربي تزكية لقضية أرى من الحق أن أدافع عنها. فإذا احتج محتج أن المغربي من شعراء العصور المتأخرة نسبيا، فإن الجواب عندنا حاضر عتيد، وهو أن بشاراً بن برد من شعراء القرن الثاني ترك لنا أبياتا في المواعظ والحكم فيها كثير من وحي الشاعر).

وهو (ثانيا) يقول ليصحح لا ليفهم (إن الحكمة سواء لبست ثوب النصيحة والموعظة أو ثوب الحكمة المطبوعة ليس من الضروري أن تكون وحيا شعريا. ولقد فرق النقاد قديما بين الشاعر والحكيم حتى قالوا إن المتنبي وأبا تمام حكيمان والشاعر البحتري. فالمقابلة بين نصائح المعلم ووحي الشاعر هي مقابلة في غير موضعها ولا بابها. وقد يكون المعترض على حق لو أنه قابل بين نصائح المعلم وحكمة الحكيم).

هكذا قلنا مصحّحين بفتح الحاء.

وهكذا قال السيد عبد الغني بكسر الحاء.

ويؤخذ من هذا وذاك بالبداهة أن التصحيح أيسر من الفهم الصحيح بكثير، وأن السيد عبد الغني يفضل (أن يصحح) على (أن يفهم) ولا جناح عليه في تفضيلاته وتصحيحاته، لأن الإنسان معذور في هذه الدنيا إذا هو عدل عن جانب العناء إلى جانب الرخاء.

ومن ثم وجب عليه أن يصحح بكسر الحاء ووجب علينا أن نصحح بفتح الحاء لأنه لا شأن لكبار الشعراء في الدنيا بتحقيق الملكة الشعرية وتمحيص الآداب العربية؛ فإن كبار الشعراء شيء، والآداب الشعرية شيء آخر لا يتصل به، ولا يستدل به عليه.

ووجب عليه أن يصحح بكسر الحاء، ووجب علينا أن نصحح بفتح الحاء إذا أنكرنا على أحد أن يكون شاعرا مطبوعا في أغراض الحكمة، بعد أن قال بشار بن برد في تلك الأغراض ما قال:

ووجب عليه أن يصحح بكسر الحاء، ووجب علينا أن نصحح بفتح الحاء إذا قلنا إن الملكة الشعرية غير المنظومات الحكمية ولم نقل إن التعليم غير حكمة الحكيم.

وقياسا على ذلك قد أصبحنا مصححين ناجحين، فنقول وعلى الله القبول: إن أشعر الشعراء طرا وأحكم الحكماء شعرا هو السيد أبو الفتح علي بن محمد البستي حيث قال:

زيادة المرء في دنياه نقصان ... وربحه غير محض الخير فقدان

<<  <  ج:
ص:  >  >>