للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

إلى تحصيل؟

إن (المحدث) بفتح الدال لا تحتمل معنى واحدا حين يوصف بها الرجل الصالح غير سماع الحديث من وحي الله، وإنما الإلهام هو تفسير لهذا الحديث وليس هو بالتصحيح، - فليس الإلهام إلا أن تتلقى إشارة من الله أو من عالم الغيب، ومتى كانت - المادة مادة (الحديث) فالإشارة المقصودة هي الحديث أو ما فيه معنى الحديث، وإلا لكانت التخطئة لاستخدام الكلمة في هذا الموضع وليست للتفسير والتوضيح.

ومن طرائف هذه التصحيحات (تصحيحه) أخرى وقعنا عليها في رسالة عن (عبد الله فكري) للأستاذ محمد عبد الغني حسن وصلت إلي منذ أسابيع.

فنحن نعتقد أن عبد الله فكري باشا رحمه الله كان من أنبغ كتاب الدواوين في عصره، وقد كتبنا عن هذه المدرسة في مقالاتنا عن شعراء القرن التاسع عشر، فقلنا إن أشياع تلك المدرسة كانوا في تلك الفترة كثيرين ثم قلنا: (إن الذين بلغوا منهم جهارة الشأن قليلون ونريد جهارة الشأن في المنصب كما نريدها في الأدب، فإن قليلا من الديوانيين من ضارع عبد الله باشا فكري في صحة اللغة، وبراعة التركيب، وسلامة الفهم والتفكير)

أما الشعر فرأينا في الرجل أنه لم يكن من كبار الشعراء و (أن قصائده في الحكمة هي ألصق بوصايا المتأخرين ونصائحهم منها بالحكم المطبوعة التي كانت تتخلل قصائد الشعراء عفوا في أدب الجاهلية والخضرمة وفحول القرن الثالث والقرن الرابع. فهي بكلام المعلمين أشبه منها بكلام الشعراء، وبوصايا الآباء المحنكين أشبه منها بالخبرة المطبوعة التي تعبر عنها قرائح أهل الفنون، ومن ذلك قصيدته الرائية التي يقول فيها:

إذا نام غر في دجى الليل ... فاسهر وقم للمعالي والعوالي وشمر

ثم قلنا: (فهذه وأشباهها نصائح معلم وليست وحي شاعر، ولا نعرف بين كبار الشعراء في العالم كله واحدا صرف إليها شعره وجعلها من أغراض فنه)

وهذا كلام في رأي الأستاذ عبد الغني يحتاج إلى تصحيح لأنه لم يفهمه ولم يحاول فهمه، بل حاول تصحيحه ليكون من المصححين ولا يكون من الفاهمين.

فهو (أولا) يسأل مستهولا: (ما دخل كبار الشعراء في العالم كله في ميدان هو بشعراء العربية أشبه؟) ثم يقول (لقد نظم كثير من شعراء العربية مثل هذه القصيدة الفكرية في

<<  <  ج:
ص:  >  >>