للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ولماذا يخطئ الذي يقول إن المحدث بفتح الدال هو الذي يسمع كلام الله؟

إن المحدث لغة هو الذي تتحدث إليه، وليس هذا هو المعنى المقصود بالكلمة في الحديث المنسوب إلى النبي عليه السلام، إذ لو كان هذا هو المعنى المقصود بها لكان كل إنسان من خلق الله محدثا بغير استثناء. ولم يكن ذلك شأن عمر بن الخطاب وحده أو شأن أمثاله من الملهمين. فما من أحد إلا وقد تحدث إليه أحد فهو محدث بهذا المعنى (اللغوي) الذي لا تمييز فيه.

فالمحدث المقصود إذن هو الذي يستمع حديثا من غير الناس أو يستمع حديثا من عالم الغيب. وكل حديثا من عالم الغيب فهو إما حديث من وحي الله وملائكته أو حديث من وحي إبليس وشياطينه. ولا تحتمل الكلمة معنى غير هذين المعنيين، بل لا تحتمل إلا معنى واحدا حين يكون الموصوف رجلا من القديسين وطلاب القداسة، وهو الاستماع إلى وحي الله، أو تلقي الإلهام من الله، ولا فرق بين القول بهذا أو القول بذاك.

فأين هو التصحيح إذن في التفسير كائنا من كان صاحب الكلام المفسر؟

ولماذا قال النبي عليه السلام (محدث) ولم يقل (ملهم) إذا كان من الخطأ أن نقول إن المحدث هو الذي يتلقى الحديث من عالم الغيب!

على أنني لم أنسى الإلهام في المقال نفسه لأنني ختمته بتلخيص كلام القادياني حيث يقول: (إن الإلهام درجات تبدأ بالحدس الصادق وتنتهي بعين اليقين وهو أعلى مراتب الملهمين، وأنه من الخطأ أن نخلط بين الإلهام الفني والإلهام الديني، لأن الإلهام الفني قد يكون في الشر كما يكون في الخير، وقد يقال إن اللص وهو يحاول سرقة المكان سنحت له خاطرة ملهمة - لتيسير السرقة ثم لتيسير الهرب من الحراس، وليس هذا من الإلهام الرباني في شيء، وإنما يكون إلهام الله في سبيل الحقائق العليا والكشف عن الأسرار الروحية، والنفاذ إلى لباب الخلق وبواطن الحكمة الإلهية، وهذه منزلة يرتقي إليها طلاب الوصول إلى الله، ومنهم ميرزا أحمد القادياني في رأيه وآراء مريديه؟)

فإذا كانت مادة (حدث) لا تقبل تفسيرا في المصطلح المقصود غير سماع الحديث من عالم الغيب، وكان الإلهام من المعاني التي ذكرناها في هذا السياق، فأين موضع التصحيح، وأين موضع التنبيه مرة بعد مرة إلى التصحيح؟ وهل حصل أو لم يحصل ولا يزال في حاجة

<<  <  ج:
ص:  >  >>