لرحلته الطويلة إلى الجزيرة، وعندما يفرغ من طعامه ويتأكد أن كل زاوية من الزوايا معدته الخاوية قد سدت وامتلأت، يدعو إليه الخادم وينبئه بخلو جيبه، فيستدعي هذا شرطياً من الخارج دون ما ضجة أو جلبة إلى حيث يمثل أمام القاضي العادل. . .
وللحال غادر سوبي مقعده في المتنزه، وانطلق في شارع طويل عريض يغص بالحركة، حتى وصل إلى مطعم فخم تنبعث منه رائحة تفتح لها شهرة المكظوظين. ووقف سوبي لحظة أمام الواجهة، وأرسل نظراته إلى الداخل متأملاً مفكراً. هاهي ذي مائدة لا تبعد كثيراً عن الباب لا يشغلها أحد. فلو قدر له أن يصلها دون أن ينتبه أحد إلى سرواله المهلهل وحذائه الممزق، لهان الأمر وتحققت الآمال. . فهو حليق الذهن نظيف المعطف، ورباط عنقه أنيق جميل أهدته إليه إحدى المبشرات يوم عيد الشكر. . فإن ما جلس إلى المائدة فلن يظهر منه إلا الجزء الأنيق، ولن يداخل الخادم أدنى شك في أنه سيد محترم. . وعندئذ يطلب منه أطيب المأكولات، ولكن باعتدال، حتى لا يثير غضبة المدير وقت الحساب فينزل عقاباً غير الذي يرغب. . وارتاح سوبي لهذا الخاطر واتجه نحو الباب، ولكنه لم يكد يتخطى العتبة حتى اتجهت عينا رئيس الخدم إلى سرواله وحذائه. . وما هي إلا لحظات حتى تلقفته أيد قوية جبارة أخذت تجره دون ما ضجة إلى أحد الشوارع الجانبية.
وقدر سوبي أن الوصول إلى السجن لن يكون سهلاً كما تصور. ثم انطلق في شارع آخر وهو يعمل الفكر في وسيلة أضمن. وما كاد يسير بضعة أمتار حتى لفت نظره واجهة متجر كبير تشع منها تشع منها الأنوار الباهرة، وقد عرضت فيها شتى الملابس الثمينة. . وللحال التقط حجراً، وقذف به زجاج الواجهة فحطمه. . فتراكض السابلة يتساءلون عن الخبر، وقدم شرطي من رأس الشارع يهرول مسرعاً. ولكن سوبي لم يتحرك من مكانه، بل وقف جامداً ويداه في جيبه. . وواجه الشرطي بابتسامة عريضة. . وسأله رجل البوليس: من فعل هذا؟ فرد عليه سوبي برزانة وهدوء: أو لا يخامرك شك بأني قد أكون أنا من تسأل عنه؟
ولكن رجل البوليس لم يفكر في ذلك قط، بل لم يشأ أن يتخذ من سوبي شاهداً على ما حدث. . فسارق الواجهات لا يقف مكانه هادئاً ويداعب رجل القانون. . بل يولى بجلده هارباً. . وتلفت الشرطي حوله، فرأى رجلاً يركض مسرعاً للحاق بسيارة، فقبض على