وعلى الرصيف المقابل رأى مطعماً من الرجة المتوسطة، شهي الطعام معتدل الكلفة. فلم يتردد لحظة واتجه إليه ودخله دون أن يلفت إليه الأنظار. ولما جاءه الخادم طلب من أطايب المأكولات أصنافاً وألواناً. وعندما انتهى دعا الخادم إليه وقال مبتسماً: إن جيبي يا صاحبي خال، فهيا أسرع واستدع البوليس، ولا تتركني أنتظر طويلاً. . ولكن الخادم قال مزمجراً - وما حاجتي إلى رجال البوليس؟ ثم التفت إلى زميل له قريب وأشار إليه بطرف عينه، فأقبل هذا عليه وأمسك الاثنان بسوبي من كتفيه وجراه حتى الباب ثم قذفا به إلى عرض الرصيف. . ولملم سوبي نفسه ونهض. . وعلى مقربة منه رأى شرطياً فعاوده الأمل. . ولكن الشرطي قهقه عالياً وانثنى في طريقة يواصل دورته. .
وواصل سوبي سيرة وقد تملك اليأس نفسه وقوض صروح أحلامه. . وقطع مسافة طويلة دون أن يبرق في ذهنه ما يحيى ميت الآمال. . وعلى حين غرة رأى سيدة فتية ممشوقة القد تقف أمام واجهة مخزن كبير تطوف بعينيها في معروضاته وعلى مسافة قريبة منها ينتصب شرطي طويل تبدو على محياه علامات القسوة والصرامة. . فخطر ببال سوبي أن يمثل دور أفاق يعاكس السيدات، وشجعه على ذلك مظهر السيدة الأنيق ووجود رجل البوليس، وقدر أنه لن يلبث أن يحس بقبضة رجل القانون تهوى على كتفه وتسوقه إلى مشتاه المحبب في سجن الجزيرة. . وللحال أصلح سوبي رباط عنقه وأمال قبعته فوق أذنه، واتجه نحو السيدة. . ولما اقترب منها أخذ يحملق فيها ويسعل ويتنحنح ويبتسم. ثم نظر بطرف عينه إلى الشرطي فرأى أنه قد انتبه إليه وراح يصليه بنظراته الحادة. وتململت السيدة في وقفتها ولكنها لم تنتقل من مكانها. . فتقدم سوبي منها بجرأة ثم رفع قبعته عن رأسه وقال لها: أهذ أنت يا باديليا؟ هلا جئت لنلعب معاً في ساحتنا؟ وكان رجل البوليس لا يزال يرقبه، وما كان على السيدة إلا أن تشير بإصبعها إليه حتى يكون سوبي في طريقة إلى الجزيرة. ولكن السيدة لم تفعل شيئاً من ذلك، بل ألقت بيدها على كتف سوبي وصاحب جذلة: كم اشتهي ذلك يا عزيزي ما بك. . ثم تأبطت ذراعه وهمست في أذنه: اعذرني إذ لم ألتفت إليك قبل الآن، فقد كان الشرطي يرقبنا عن كثب. وسار سوبي مرغماً إلى جانب صديقته المزعومة ومرا من أمام الشرطي وقد خابت الآمال وفاته حلم