الاعتقال. وعندما وصلا إلى منعطف الشارع تملص سوبي من رفيقته وأطلق ساقيه للريح. . ولم يقف إلا عندما وصل ميدانا يغص بالحركة، فسار في الزحمة متأملا مفكراً. وما كادت عيناه تقعان على قبعة شرطي ثالث حتى لمعت في ذهنه حيلة جديدة. فنطلق في اتجاهه يترنح في مشيته كالسكران يضرب بالمارة يميناً وشمالاً ويغني بأعلى صوته أبذأ الأنعام. . وتأمله الشرطي لحظة ثم أدار له ظهره وقال لأحد المارة - هذا أحد المحتفين بحفلة كلية هارتفورد الخيرة، ولدينا تعليمات بأن لا نعترض أمثاله ما داموا لا يؤذون. وسمع سوبي وينصرفون عنه. .؟! وتابع سيرة بعد أن زره سترته ليدرأ عن نفسه برد الليل. . وفي أحد حوانيت التبغ رأى سيداً أنيق الثياب يشعل سيجاراً وقد ترك مظلته الحريرية الثمينة بالقرب من الباب. . فلم يتردد سوبي ودخل المخزن وأخذ المظلة وعاد إلى الشارع ببطيء وهدوء، ورآه السيد وتبعه مسرعاً وهو يقول - هذه مظلتي. . هذه مظلتي. . فرد عليه سوبي بازدراء - أحقاً؟ إذا كانت فعلاً مظلتك فلم لا تدعو البوليس؟ لقد سرقتها. . أليس كذلك؟ هيا إذن واستدع البوليس. . . وها هو أحدهم يقف هناك عند المنعطف. . وخفف صاحب المظلة من سرعته وكذلك فعل سوبي مخافة أن يتراجع السيد وتفوته الفرصة. وراقب البوليس ما يجري باهتمام. . وقال السيد - عفواً، عفواً، فكثيراً ما يحدث هذا الالتباس، وإني لأعتذر عما بدر مني إذا كانت هذه مظلتك فقد أخذتها اليوم خطأ من أحد المطاعم وأنا أحسبها مظلتي، فإذا عرفت فيها مظلتك فأرجو. . . فقاطعه سوبي بحدة: طبعاً إنها مظلتي. . . وعاد صاحب المظلة أدراجه، وانصرف اهتمام الشرطي إلى مساعدة سيدة تقطع الشارع من رصيف إلى رصيف واتجه سوبي جهة الشرق وطرق شارعاً خرباً. . . ثم قذف بالمظلة إلى إحدى الحفر بغضب وثورة وهو ينزل اللعنات على رؤوس رجال البوليس الأغبياء. ووصل أخيراً إلى شارع يخف فيه الضجيج وتقل الحركة، واتجه دون ما شعور صوب متنزه ماديسون. وعند منعطف انعدمت فيه الحركة وانقطعت السابلة توقف سوبي عن السير وثبت في مكانه وقد عقل منه القدم والقلب معاً. . فعلى بعد خطوات قليلة منه رأى كنيسة عتيقة تآكلت حجارتها وتفتتت ومن زجاج نوافذها الملون ينبعث شبه ضوء أرجواني يحمل على أمواجه أنغام أرغن ناعمة شجية، نفذت إلى أعماق روحه وملكت عليه لبه. . وكان البدر يخطر في كبد السماء باسطا على الكون ستراً