للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

جاءت أذواقنا مختلفة، وثقافتنا واهية، ونظرتنا للأشياء ناقصة، وهذه مجتمعة علة هذا التبلبل والتفكك القائم اليوم

واكتفينا بالسير على قدر، والنوم على الأمجاد الماضية، وكانت الوعود غير المعقولة تغذينا، والعبارات المسجعة تشبعنا، وطالما خدرتنا الألفاظ والمقالات المنمقة، فلهونا بالمظهر عن الجوهر وعما ينفع الناس ويمكث في الأرض؟

وأخوف شيء على مستقبل هذه الأمة أن ننشئ الجيل الجديد على هذا النسق، فهل لدينا من الشجاعة والإخلاص الصحيح ما يدفعنا إلى إنقاذه وحمايته من الأقدار التي لم تنصفنا؟

سؤال تصعب الإجابة عليه، ولكن فلنجتهد أن نواجه أكبر أزمة مرت بالبلاد منذ قرون طويلة، ذلك لأننا نعيش في عالم يتطور بسرعة غريبة لم نعهدها من قبل، وسيصيبنا منه الكثير من الخير والشر معاً.

أضف إلى ذلك أن القيم الروحية والقيود الخلقية التي عشنا أجيالا تحت أكنافها، قد أخذت تنهار ولم تترك ما يحل مكانها، ورأينا في خمس سنوات الحرب، وهي تعدل خمسين عاماً تقدماً مادياً يكاد يكون خاطفاً، وتسابقاً إلى إحراز الغنى والثروة في أي طريق، ويصحب كل هذا تدهور أخلاقي، وفقدان للثقة، وسخرية من كل من يؤمن بالصالح العام، أو يدعو إليه

وأمامنا جيل ناشئ يرجو لأمته حياة أرقى وأعلى وأسعد مما نعيش عليه الآن، وهو جيل سيحاسب ويناقش، وبما إنه إنساني، فمن الطبيعي أن يتعجل الخطوات، بل يخلق الظروف لاستعجالها، وسيتوهم في نفسه القوة والمقدرة، وسيكافح إلى مدنية جديدة أقرب إلى أحلامه وأكثر طلاوة ونفعاً مما ألفناه، وسيقول: إنني أريد أن أحيا حياة أقرب إلى حياة البشر، فماذا أعددنا لهذا اليوم؟

أنا لست بمتشائم، ولن أحاول أن أقلل من طاقة مصر، أو من قيمة القوى الإنشائية والخلقية، ولكني أخشى الأخطار التي تواجه هذا الجيل، وأولها الغرور الذي يتملك الأفراد والجماعات على السواء، وقد أصبح علة من علل المجتمعات الشرقية الناشئة.

إننا ندعوه أن يتعرف على نفسه، فإذا عرف ما ينقصه أسرع إلى استكماله، وإذا اكتشف نواحي القوة الكامنة التي لديه أخذ في تقويتها. ثم ليعرف تماماً أن مقدرات هذا الوطن

<<  <  ج:
ص:  >  >>