تكلم ابن باجة أولاً عن لفظ (تدبير) وأنه يدل في أوسع معانيه على مجموعة من الأعمال ترمي إلى غرض معلوم، فلا يمكن أن يستدل به على عمل واحد، بل على جملة أعمال تنجز تبعاً لخطة معينة كالتدبير السياسي والحربي. وينبغي أن يكون تدبير المتوحد على مثال تدبير الحكومة الكاملة، ومن علامات الحكومة الكاملة ألا يكون بها أطباء أو قضاة؛ لأن أهل هذه المدينة لا يتناولون من الغذاء إلا ما يوافقهم، وبذا تختفي الأمراض الناجمة من الغذاء، وأما الأمراض التي تصيبهم بسبب عوارض خارجية فتزول بنفسها. ولما كانت العلاقة بين أهل المدينة بعضهم مع بعض أساسها المحبة امتنع الخلاف فاستغنى عن القضاة. والحكومة الكاملة تكفل للفرد أن يبلغ فيها أرقى منزلة من الكمال؛ لأن الكل يفكرون بأعدل تفكير، وينظرون أدق نظر، ويطيع كل فرد ما تأمر به القوانين، لأنه يكون عالماً بها، وبذلك تخلص أعمال الإنسان من الخطأ والهذر والختل فلا يكون الناس بحاجة إلى الطب الأخلاقي وهو ما لا غنى للجمهوريات الناقصة عنه