ويتكلم فيها عن خلود النفس البشرية، وعن العوامل التي تؤثر في الإنسان وتدفع العقل في سبيل الفكر، وشرح غاية الوجود الإنساني وغاية العلم وهما التقرب من الله عز وجل، وكلامه في خلود النفس مبهم، ويقول باتحاد النفوس، وقد أخذ بهذا الرأي ابن رشد وكان لرأيه أثر كبير عند الفرق المسيحية حتى اضطر القديس توماس وألبرت الكبير للرد عليه في مؤلفات خاصة. هذا وقد عاب ابن باجة الغزالي وقال: إنه خدع نفسه وخدع الناس حين قال في المنقذ من الضلال: إنه يستطيع أن يكشف العالم الحقيقي والعقلي ويرى الأمور الإلهية بالخلوة ويلتذ التذاذاً كبيراً
ومن هذا نرى أن ابن باجه يهاجم الغزالي بعد أن كان تأثيره عظيماً في بلاد المغرب، وبعد أن أسكت صوت الفلسفة في المشرق، ونراه لا يؤمن إلا بطريق العقل سبيلاً للوصول إلى المعرفة الإلهية
٢ - رسالة تدبير المتوحد
ذكر هذه الرسالة ابن رشد في آخر كتابه على العقل الهيولاني حيث قال:(أراد أبو بكر بن الصائغ أن يختط خطة للمتوحد في هذه الأمة، ولكنه لم ينجزها وكثير منها غامض، وسنحاول في غير هذا المكان شرح غاية المؤلف من هذه الرسالة لأنه أول من سار في هذا المضمار ولم يسبقه فيه أحد). بيد أن ابن رشد لم ينجز وعده ولم يبق لنا إلا ما نقله مونك عن موسى الأربوني، وهذا المخطوط الموجود بالمكتبة التيمورية وهو غير كامل
وقد قسم الأربوني هذه الرسالة ثمانية فصول، ويظهر أن غاية ابن باجة فيها هي إثبات قدرة الإنسان المتوحد المنتفع بحسنات الحياة البعيد عن مفاسدها، على الاتصال بالعقل الفعال بقواه الفكرية وحدها. ولا يوصي ابن باجة بالخلوة - كما يفهم من لفظ المتوحد - إنما يرشد الإنسان المشتغل بشئون الحياة إلى سبل الوصول إلى الكمال، وهو يشير إلى إمكان ذلك سواء كان هناك رجل واحد أو عدة رجال في درجة واحدة من الفكر، وقد يستطيع هذا أهل بلد بأسره إذا كان تام النظام. ولم تخف على ابن باجة صعوبة هذا الأمر فأوصى المتوحد بالعيش في أغزر المدن علماً، أي في أقربها إلى الكمال، وأجمعها لأهل الفضل والحكمة. وسنعرض فيما يلي أهم ما جاء بهذه الرسالة نقلاً عن (مونك) مختصرين ما أمكن