للتفاؤل والتشاؤم دوافع وأسباب قد تنحدر أصلابها إلى ما يقترن بالواعية الباطنة، أو ما وراء الوعي كما يقول علماء النفس، أو ترتد إلى مراجع أخرى لها مقوماتها في علم النفس التجريبي، وهذا ما لا نجرؤ على القول فيه في كثير ولا في قليل لئلا يزل القلم ورحم الله امرأ عرف قدر نفسه.
وواقع الأمر أن المرء ما يستطيع مدافعة التطير بوحي من عقله الواعي إلا على مضاضة وتململ وبرم، كذلك الإنسان إذا عراه ما يضحك فلابد له من الأستضحاك، أود دهاه ما يبكي فلا عليه من الاستعبار وإذا هو كبح حبوره كبحاً، أو كبت نشيجه كبتاً فهو معاني الأمرين بغير مشاحة. وكثير من الناس يتطيرون ويسرفون في الطيرة ويحسبون أنهم مانعهم تشاؤمهم من وقوع الشؤم وهو لا يغني عنه شيئاً. وفي التطير ما فيه من الثورة بالقدر والاعتراض غير المجدي على حكمة الخالق، وتشنئي به جل وعلا. ولعل هذا المعنى هم ما قصد إليه سيدنا رسول الله عليه الصلاة والسلام.
والتفاؤل هو الجانب الإيجابي الآخر، ولا يذهب في الضرر البالغ مذهب التشاؤم إلا إذا أسرف فيه حد يصيره إلى غاية الهوس أو الركون إلى الحياة الرتيبة الكسلى، أو التسليم بالأمر الواقع تسليماً يؤدي بالمجتمع إلى التداعي والخور، وعلى أي الحالين واجب الإنسان أن يكون قواماً بين التفاؤل والتشاؤم، وعدلاً بينهما ومقسطاً، فلا يسرف في جانب ولا يقتر في جانب، وإلا فالضرر واقع لا محالة.
وليس ما تقدم به الكلام تمهيداً بين يدي بحث علمي فمالنا في هذا المجال يدان، وإنما هو تقدمة لبعض ما يتصل بموضوع التفاؤل والتشاؤم، فلقد عبرت بي حوادث جمة في هذا السياق، عفي الزمان على الكثير منها وبقى في لوحة الذاكرة نزر يسير. وما أنس لا أنس حادثين وقعا لي مع بعض أصدقائي في زمنين متفاوتين، وكان في نفسي منهما أثران قويان، أحدهما إيجابي والآخر يميل إلى الجانب السالب، وإني لمثبتهما فيها يجيء من السطور.
في إحدى غدواتي إلى القاهرة ثويت إلى متجر صديق لي، حائك ثياب، وما اقتدت ببابه حتى أقبل على بعد ديباجه من التحية بألوان من الشكاية والضجر، ذلك لأنه قد جازت به