ونحن إذ ننظر إلى الأزهر بهذه العين نقف به مع الأستاذ الزيات بين الذكرى والأمل، لترجع بنا الذكرى إلى أزهر القرن الرابع عشر، يوم كان حقاً يعيش للدين وبالدين، ولا تلويه الأحداث، ولا تستهويه المطامع فكان لقوله صولة، ولرأيه شأن وحساب.
وإذ تحولت نظم الحياة الاجتماعية، واقتضى الزمن نشاطاً في السير، ومتابعة للنهوض، فما كان ينبغي للأزهر أن يقنع بالعزلة ويتنحى عن مكان القيادة، ويقعد عن اجتذاب الجماهير إلى حوزة الدين، واشتمالهم بتعاليمه الفضفاضة.
وإن تكن هذه سيئة الزمن الماضي، فماذا صنع أزهر اليوم ليدرك الناس ما فاتهم، ويصل ما انقطع بينه وبينهم، ولا يترك الخرق يتسع، والشر يتفاقم؟
نعم بدأ يخطو الأزهر في عهده الحاضر خطوات لا بأس بها، ولكنها خطوات هينة إذا قيست بالأمانة العظمى التي يتحملها عن الأنبياء. والأمر يقتضي نشاطاً فوق هذا النشاط، ولا يتسع لتريث فوق الذي كان، وهنا مثار الأمل في الأزهر، فإلى من يتجه ذلك الأمل المنشود؟
يتجه إلى صاحب المقام الأعلى، إلى معقد الرجاء، إلى جلالة الملك فاروق، فجلالته حَريٌّ بين الملوك أن يحمل راية القرآن خفاقة على ربوع الإسلام، وأن يجعل القرآن - بتشجيعه وعطفه - منهلاً عذباً في وادي النيل، يصدر عنه الناس وإليه يردون، وهذا ما كشف اللثام عنه بين يدي جلالته شيخ الأزهر في مستهل العام الهجري، فأبان فضيلته عن أمل المسلمين في الأزهر وعن رجاء الأزهر والمسلمين في جلالة الفاروق.
ويتجه الأمل ثانياً إلى فضيلة الشيخ الأكبر وإلى من يؤازره من كبار العلماء، وما يريد المسلمون منهم إلا ما تحدث عنه الأستاذ الزيات:(أن يضعوا لثقافة الشعب أساساً من الدين، يقوى بقوة الله، ويثبت بثبوت الحق، ويدوم بدوام الدنيا، ثم يقيموا عليه من القواعد والأوضاع ما يقره العقل، ويؤيده العلم، ويتقبله العصر، وتقتضيه الحاجة)
ففي هذه الكلمات تتلخص حاجة الناس إلى الدين وتنحصر مهمة علماء الدين.
وقد نشط إلى الجهر بذلك منذ أيام شيخ متوثب، انتظم إلى جماعة كبار العلماء، فكان إحساسه يقظاً، وصوته ندياً. وإذا تجاوبت هذه الدعوى، ودخلت إلى مكتب الشيخ، وترامت إلى المسامع العلية، فبعيد أن تفتر هذه الحمية، وبعيد أن يركن الأزهر إلى تلك السياسة