والأضرحة، ولكني أغريته بزيارتها حتى يتمكن من أن يجمع المواد التي يتألف منها كتاب أو رواية تضم معتقدات العوام وحالتهم الفطرية.
ولا أبالغ إذا قلت إن هذه وهذا الضريح الذي يتوسطها وتلك الأضواء الخافتة المستحيية، وهذا الشيخ الذي تفد النساء لزيارته خاشعات مسترسلات في توسلاتهن الحارة. كل هذه مشاهدة كان لها تأثير خاص على مشاعري. أما حارس الضريح الذي لا يأذن لأحد بالدخول إلا إذا ناوله الجعل المخصص للزيارة فأنه قادنا إلى أقصى المغارة حيث ألفينا نحو ثماني نساء يطفن بالضريح ويلمسن الكسوة بأيديهن تبركا. ولقد حدث أن شاهدت واحدة منهن وهي واقفة كالصنم، شاخصة ببصرها نحو المصباح الذي يرسل ضوءاً خافتاً لونه أحمر، شاهدتها جامدة كالتمثال أكثر من دقائق معدودة، لا تبدي حراكا ولا يهتز لها جفن، وراعني أن ألفيت برقعها الأسود ملقى وراء ظهرها، وكان وجهها شاحباً شحوب الموتى، ولكن صديقي علل ذلك بأن الشمس قلما تسطع على هذه الوجوه، لأنهن يعشن محجبات في داخل دورهن وإذا ما خرجن أحكمن وضع البراقع السميكة التي تحجب على وجوههن ضوء الشمس فيكتسب الجلد لون الصفرة، وكانت هناك عجوز شمطاء تلقي بجسمها على جدار الضريح كأنما الشخص المدفون أحد أحفادها، وثالثة نحيلة طويلة، ترتدي السواد وتلطم صدرها بكلتا يديها، ثم لا تلبث أن ترفعهما إلى السماء وتتوسل بصوت مرتفع. ورأيت الدموع تنحدر من عينيها وقد ارتسمت على وجهها آيات الرعب والفزع، ثم سمعنا بعد ذلك صوتاً يخرج من صدرها، وبعد برهة أخذت تولول وتمزق ثيابها. وكانت هذه الصرخة نذيراً لبقية النسوة اللواتي حافظن حتى هذه اللحظة على الصمت، فأنهن أسرعن إلى تقليد حركاتها والارتماء ثم التمرغ على الثرى والتدحرج حتى يصلن إلى المحراب، وهناك تخور قواهن. أما صديقي فقد راعه هذا المشهد المؤلم الذي يصور حالة خاصة من حالات الأمراض النفسية، فأمسك بذراعي وطلب إلي أن نغادر هذا المكان سريعاً، بيد أنه نسي أن هذه المناظر الهستيرية هزتني هزة عنيفة بحيث كدت أرتمي بدوري على الأرض، لولا أنني قاومت هذه الرغبة وأقصيتها عن ذهني. ما هذا البكاء، وذلك العويل، وشق الثياب؟ لقد تمالكت رشدي ورحت أحدق في وجوهن لأحاول أن أستخلص منها قصة كل واحدة، وإليك نتيجة استنتاجي: