تربى الفتاة المسلمة على الطاعة والخضوع والانقياد، لا على الحرية والصراحة في الرأي والتفكير، فالطاعة والانقياد هما الدعامة الأولى للتربية في مصر، وهذا هو السبيل للحياة المقبلة. فللوالد الحق في أن يجبر أبنته على الزواج من الشخص الذي يختاره لها ويفرضه سيداً عليها، وليس عليها سوى الامتثال لمشيئته، كما أن للزوج سلطة ضربها إذا عصيت له أمراً. وإذا أرادت المرأة أن تثأر لنفسها فليس أمامها سوى طريق واحد، هو طريق المؤامرات السرية والدسائس. والعادة أن جميع الأزواج لا ينظرون إلى زوجاتهن إلا نظرة الازدراء والتحقير، بل إن البعض منهن يعتبرن من سقط المتاع. وهذا هو السبب الذي يدعو الكثيرات منهن إلى أن يقصدن إلى تلك الأضرحة ليتوسلن إلى أصحابها ويستنجدن بكراماتهم من هول تلك الفضائع ولا يخفى ما للعواطف المكبوتة من الأثر السيئ في النفوس، وهؤلاء اللائى يدفن رغباتهن في صدورهن إنما يتعرضن لأفظع الآلام الهستيرية، فيعمدن إلى إقامة حفلات الزار والتوسل بزيارة الأضرحة للبرء مما يصيبهن من الأمراض العصبية.
- إنني لا أزال وأنا أكتب هذه السطور أتذكر صورة هذا الرجل الذي دخل علينا ونحن بضريح الشيخ المغاوري ثم أتخذ موقفه بين الشمعتين وما كاد يرى صياح النسوة حتى راح يهز رأسه عنيفاً بطريقة منتظمة، ثم ينادي بأعلى صوته: الله، الله. . . وبعد برهة كان يلتوي على الأرض التواء الحية الرقطاء وتتقلص عضلات وجهه، ويرسل صراخا كالنباح قائلاً: الله أكبر! الله أكبر! حتى خيل إلينا أن صخرة المقبرة أوشكت أن تلتقط منه لفظ الجلالة. وكدت أفقد رشدي من هول الموقف، وأحسست كأن حشرجة الموت تنشب مخالبها في حلقي، فأردت أن أستنجد بكل قواي غير أني لم أستطع إلى ذلك سبيلا؛ فجاهدت قدر طاقاتي حتى لا أسقط على مقعدي، ولكن بلا جدوى أيضاً لأنني شعرت كأن بي مسا من الجن، وأن كابوساً قد جثم فوق صدري، وأن العرق البارد يتحلب من وجهي. وأخيراً هدأت نفسي فغادرت المكان وهتفت بصديقي أدعوه إلى الصلاة. ولكنه أجابني بعدم قدرته على أدائها وهو لا يزال يرجف فزعا. فتركته ومضيت إلى القبلة، حيث عادت إلي طمأنينتي الأولى. وبعد الصلاة رحت أفتش عن صديقي فإذا به يقف بجوار المحراب باهت اللون، ينتظرني بفروغ صبر لنغادر هذا المكان الذي يرمقه بعيون مفتحة رعباً.