فقد كانت مطالعاته الأولى في الأدب العربي بالمهجر الأمريكي، فاستأسره أسلوب زعيم تلك المدرسة المرحوم جبران، وكانت أشعاره الأولى ذات نزعة جبرانية في الأسلوب. وكان يقول الشعر منظوما ومنثورا، ولكنه كان اعمق روحاً وابعد قراراً. وكانت موضوعاته في فلسفة البؤس والشقاء، والتبرم بالحياة ومتاعبها
على أننا إذا قلنا إن أبا القاسم قد تأثر بمدرسة جبران فلا بد لنا أن نتحفظ، فقد تزود - رحمه الله - من الأدب العربي القديم طائلة، مكنته من إخضاع التعابير الفصيحة لمعانيه الجديدة بما يميزه من غيره، ومما لم يكن من ظواهر تلك المدرسة التي تذهب أحياناً وراء حرية التعبير عن حوالج النفس مذاهب يخرجها عن سنن العربية وقواعدها الأولية
ثم إن شاعرنا كان مفتوناً بالآداب الغربية، يتهافت على قراءة كبار عباقرة الغرب الذين ترجمت أشعارهم وآدابهم ويدرسها بروية حتى تأثر بها وخالجت روحه، وربما تعجب قراؤه كثيرا حينما يعلمون انه لا يقرأ إلا اللغة العربية لجهله بغيرها
ويمكنك ان تدرك سعة اطلاعه على الأدب العربي القديم وأحاطته بجميع ما ترجم إلى العربية من نفائس الأدب الغربي، إذا اطلعت على مؤلفه الذي أخرجه منذ سنوات تحت عنوان (الخيال الشعري عند العرب) فمن مطالعة هذا الكتاب الذي هو عبارة عن دراسة مستفيضة على طريقة النقد العصرية للأدب العربي في جميع عصوره، ومقارنة للأدب الغربي في كثير من أعلامه تدرك مبلغ تفوقه ونبوغه
قلنا أن أبا القاسم كان ينزع في أوائل أمره نزعة تشاؤم وتبرم بالحياة، على ان سخطه هذا لا شئ فيه من الضعف والرخاوة، فهو يعاتب الدهر وكأنه ندّ له في كبرياء وجبروت ينمان عن حب الحياة في أعماق نفسه، حتى انه لم تدم شكواه طويلاً، فتجلت روح التمرد والقوة في قصائده الأخيرة التي منها (نشيد الجبار) وقد نشرت في أحد أعداد (يوليو) ومنها قصيدة (البعث) وستظهر في ديوانه، أودعها كل ما في نفسه من حب للحياة وتطلع إلى مثلها العليا في أسلوب رائع فريد
ولا نستطيع أن ننسى أن للصدمات التي اعترضته أثراً عميقاً في صهر نبوغه واستقلال فنه، كما انه قضى مدة أربعة اشهر في وحدة شعرية بديعة بين جبال (عين دراهم)