برأس المهري إليهم، فقال:(دونكم الآن، فادفنوا صاحبكم). وقد تكون هذه القصة واقعية أو من عمل الرواة بقصد الدعوة إلى الحماس، وهذا لا يهمنا بقدر أنها تعرفنا من كان على أبواب الإسكندرية يقاتل. وهؤلاء هم أصحاب المدينة. إذ أجمع المؤرخون على أنهم عند الفتح كانوا من خلاصة القبائل العربية التي استوطنتها بعد جلاء الروم عنها. قال المقريزي:(إن لخماً كانت أعز من في ناحية الإسكندرية وأطرافها). وهي قبيلة امتدت فروعها وبطونها في صميم مصر ولا يزال أبناؤها في إقليمي البحيرة والشرقية، ولها المواقف التاريخية في كل حادث من حوادث التاريخ. وليس من السهل إنكار التاريخ والخروج على الأصول والأنساب.
وللإسكندرية مواقف ومعارك وأحداث تحدث التاريخ عنها وأهلها أحق من غيرها بآثارها والتفاخر بها، ولم يكن سكانها في تلك العصور ممن تلين قناتهم. أو لا يعتد الخصوم بهم فيصفونهم بالأصفار المتراصة، وإنما كانت سيوفهم مرهفة، ورماحهم للجهاد قائمة، وكانت لهم في البحر جولات، طالما أدخلت الرعب والخوف في نفوس الروم والفرنجة ومن معهم. نعم؛ جاءتهم قبائل عربية من المغرب ومن الأندلس، أنزلوها حيناً باختيارهم، وحيناً بعد حروب دامية. ومن نزل منهم رحبوا به، ومن لم ينزل على حكمهم أرجعوه على سفنهم وبعثوا به إلى البحر ثانية، فهم مرابطون بكل ما تحمل هذه الكلمة من معان.
نقل الكندي في فضائل مصر ما قاله سفيان بن عيينة لأحمد ابن صالح:(يا مصري، أين تسكن؟) قلت: (أسكن الفسطاط) قال: (أتأتي الإسكندرية؟) قلت: (نعم) قال سفيان: (تلك كنانة الله يحمل فيها خير سهامه).
ونقل السيوطي في كتابه: أنه نُعي إلى عبد الله بن مرزوق الصيرفي، ابن عم له اسمه خالد بن يزيد، وكانت وفاته بالثغر الإسكندري، فلقيه ثلاثة هم: موسى بن رباح وعبد الله بن لهيفة والليث بن سعد، منصرفين وكل منهم يقول:(ألم تكن ميتته بالإسكندرية؟. إذن هو حي عند الله يرزق ويجري عليه أجر رباطه ما قامت الدنيا، وله أجر شهيد حتى يحشر على ذلك).