الحروب، فهم أذن سلالة أولئك الذين فتح الله على أيديهم هذا الثغر وأبناء الأبطال الذين صدوا وهزموا كل من حاول الاعتداء على أراضي مصر الإسلامية طول مدة العصور الطويلة الماضية التي نعمت فيها البلاد بنعمة الاستقلال الصحيح والعزة والكرامة). وأراني اليوم أكثر تمسكا بهذا الرأي مما كنت.
رجعت إلى ما كتبته أيام السياحة؛ لأني أعجبت بالقسم التاريخي من كتاب الغرفة التجارية، فعدت إلى أوراق الماضي أقلبها، ثم حمدت الله أن تنبهت الغرفة لهذا التاريخ الإسلامي، وسلمت أساتذة قسم التاريخ بكلية الآداب هذه الأمانة، فأدوها وهذه لفتة جديدة لم تعرفها المدينة قبل اليوم.
ولكن مثلي يطمع في الكثير من هذا؛ يطمع أن تعرض عليه حوادث التاريخ الحي، وأن يتغنى بمواقف أهل المدينة، وينادم آثارها الإسلامية؛ ويشمخ بأدبها العربي وبروحها الوثابة وبما خلفته وتركته لنا تلك العصور العزيزة علينا، وهذا عمل عظيم، أؤمل أن يتولاه الأدباء والعلماء والمؤرخون وأهل الآثار ورجال الدين والقضاة وكل محب للإسلام والعروبة.
فهذه مدينة أصبحت أكبر منازل الرباط في مصر منذ أتم الله فتحها على يد منقذ مصر الأكبر (عمرو بن العاص)، فبرزت بروزاً في تاريخنا لا يمكن إنكاره ولا الإقلال من أهميته رغم الطعنات التي يوجهها الغير إلينا وتحديهم لنا.
إن أيام الفتح توحي بالكثير من المواقف وقد أوحت بالفعل شيئاً من ذلك: أنني لا أزال أذكر ما نقل عن عمر وهو يحدثنا قائلا: (ثلاث قبائل من مصر؛ أما مهرة: فقوم يَقتلون ولا يُقتلون، أما غافق: فقوم يقتلون ويقتلون، وأما بِلى: فأكثرها رجلا صحب النبي صلى الله عليه وسلم وأفضلها فارساً). قال هذا عندما نزل بعض هذه القبائل في الإسكندرية إبان القتال الدائر حول أسوارها عندما حمل الروم على العرب فقتلوا لأول مرة رجلا من مهرة - ولم يكن قد قتل أحد منهم قبل ذلك اليوم - واحتزوا رأسه وحملوها. وقالوا:(لن ندفعها حتى نأتي برأسه). فقال لهم عمرو:(كأنكم تغضبون على من يبالي بغضبكم. احملوا على القوم واقتلوا منهم ثم ارموا برأس قتيل منهم يرموكم برأس صاحبكم) فخرجت الروم واقتتلوا. فقتل من الروم رجل من بطارقتهم، فاحتزوا رأسه ورموا به الروم، فألقت الروم