تعرض لتعريف مدينة الإسكندرية إلا ومر على عهدها العربي والإسلامي مروراً بسيطاً لا يشفي الغليل كأن عهد الإسلام والعروبة كان عهداً غريباً عن مصر وأهلها!! فكل من كتب عن تاريخ الإسكندرية من كتاب الفرنجة وغيرهم يولي العهدين الروماني واليوناني جُلَّ اهتمامه، ويبرزهما بروزاً ساطعاً، بل منهم فريق يسرف في القول ويغالط في الحقائق حتى إذا جاء لعهدنا قال:(إن المدينة فقدت أهميتها وعمرانها وأصبحت خراباً بلقعاً). فكأنه يقول في مواجهتنا: لدى هؤلاء القدماء المدينة والحضارة، ولدينا الجهل والخراب.! لديهم كل ما يحبب ولدينا كل ما ينفر!. أليس في هذا دعوة إلى إنكار شخصيتنا وإلى الفناء في الغير فناء لا نرضاه لأنفسنا ولا لأحفادنا ولا لنهضتنا القومية؟!
كنت منذ سنة أعمل على رأس السياحة المصرية، وكان من ضمن عملي الاطلاع على بعض الكتب والنشرات التي تتكلم عن الإسكندرية وعرضت علي مجموعة من هذه منها القديم والحديث، وكان من بينها كتاب لعلم غربي أريد إعادة طبعه على نفقة الحكومة المصرية، ولما قرأته دهشت من كثرة ما حواه من الأخطاء عن تأريخنا القومي، فحاولت جهدي أن أرد الحق لنصابه وأرفع بعض الإبهام وأعطي صورة واضحة عن تاريخ المسلمين وأثرهم، وكنت أؤمل وقتئذ من جمهرة المثقفين في مصر ومن أهل المدينة أن يقوموا بواجبهم في سد هذه الثغرة التي تضعف من أيماننا في أنفسنا، وتقلل من أمجادنا، وتجعلنا في النهاية غرباء عن تاريخنا.
كل هذا دفعني إلى الإلمام إلماماً تمهيدياً لما كانت عليه عظمت هذه المدينة. فخرجت بأشياء تجعلني أسلم بما جاء به ياقوت الحموي في معجم البلدان من أن ما وصله عنها يستحق أكثر من كتاب واحد. ونحن أمام تاريخ الإسلام في الإسكندرية نقرر أنه في حاجة إلى عدد من المجلدات الضخمة.
وإليكم أول ما تبادر إلى ذهني في تلك الأيام، أنقله كما هو، قلت: (الذي أعرفه وأشعر به عن الإسكندرية حين أزور مدينتهم، هو أنهم أهل رباط ونجدة، نرى في وجوههم أن أصولهم وفروعهم تنحدر من صميم القبائل العربية التي رابطت في هذا الثغر الإسلامي؛ فيهم نخوة وشدة وحماس ودفعة وأقدام على المخاطر. وتلك صفات أنفرد فيها أهل المثاغرة والمرابطة في أنحاء العالم الإسلامي من أهل الثغور والعواصم الذين كتبوا بدمائهم ملاحم