الأدباء، لأنني بحمد الله قليل الحظ من ذيوع الاسم، بل أكاد لا أسمع اسمي يذكره ذاكر إلا في أمر من أمور هذه الدنيا البعيدة عن عالم الأدب، ولقد حبب إليّ الخمول والبعد عن الشهرة منذ اقترن ذلك الخمول باسم الشباب، فأني كنت دائماً أحب الشباب واسم الشباب ولو كان مقترناً بالذم؛ وقد كان لي صديق - عفا الله عنه - عرف فيّ ذلك الطبع، وكان يحلو له أن يشتمني؛ ولكنه مع ذلك كان حريصاً على مودتي، فدفعه خبثه إلى أن يجعل سبابه لي مقترناً باسم الشباب، فكان إذا رآني بدرني بقوله:(ما هذا الذي فيك من طيش الشباب؟) وقوله: (إنك تظهر في عملك هذا ضروباً من جهل الشباب) وقوله: (إنك والله ملئ بنزق الشباب). فكنت أقبل الشتم ما دام دفيناً في وصف الشباب المعسول، وبذلك توصل صديقي إلى ما شاء من سبابي، ولم يخش أن يخسر شيئاً من مودتي. ولم أفطن إلى حيلته الخبيثة إلا بعد لأي، ولكنني مع ذلك لم أعاتبه ولم أغضب عليه، بل بقيت راضياً بما ينالني من شتمه لأحظى بوصف الشباب من ورائه. وعلى هذا فلست إلا حفياً بدخولي في زمرة الشبان الأدباء، قانعاً بوجودي بينهم. ومادمت كذلك فإني لابد مذمرهم على الشيوخ، ومعصبهم ومحرضهم. وأول آيات ذلك التعصب أنني أدعوهم اليوم إلى تأليف نقابة لهم، لتكون جامعة لكلمتهم، ورابطة لهم عند الملمات إذا ما فكر الشيوخ مرة أخرى في أن يصبغوا لهم العيون بلون الدماء.
وأي شيء يستنكر في دعوتي هذه إلى تأليف نقابة للأدباء الشبان؟ وهل في ذلك بدعة أو ضلالة؟ إن الأديب الشاب شبيه بالعامل الفقير الذي لم يدخر بعدُ مالاً، ولم يتأثل شيئاً من حطام الدنيا، والشيوخ الأدباء هم الذين ادخروا وتأثلوا. ألسنا نراهم اليوم يقولون للشبان إنكم مدينون لنا بكل شيء؟ أليسوا قد أعلنوا للملأ أنهم الأوصياء على إنتاج الأدب وتوزيعه؟ ومادام هذا هكذا - كما يقول شيخ منهم - فان الأمر لا بدعة فيه ولا ضلالة؛ فقديماً اجتمع ضعفاء العمال لكي يحموا أنفسهم من وقعة أصحاب (رءوس الأموال) بهم، فلما أن فعلوا أظهروا للعالم أن العمل شيء واجب أن يرعى فيه الحق، وأن يتخذ في معاملته العدل. فهلموا إلى العمل أيها الأدباء الشبان.
وإني منذ اليوم أجعل نفسي رداءاً لمن يدخل منكم نقابة الأدباء الناشئين أدفع عنهم عادية الشيوخ، وأوقف دونهم إذا ما سمع أحدهم يزأر أو يزمجر، أو إذا ما رؤى بعضهم يرغي