فاستحقار الأقوام غير العربية بالنسبة للعرب لا يقره إذن الإسلام الذي رفع من شأن العرب وأكسبهم مجدهم الخالد.
وفي نظر علماء الاجتماع والمتشرعين ما خلا الألمان لا تقوم الأمة على العرق والجنس، بل عن ما يكون الأمة حقاً الآن بعد أن ضعفت الرابطة الدينية، ولم يعد الدين العنصر المؤلف للأمم، هو الرضاء والرغبة في العيش عيشة مشتركة في الحاضر، مضافة إلى ذكريات ماضية مشتركة، وآمال مستقبلة واحدة (نظرية رنان) إذن فلا الإسلام يقر مبدأ القومية وتفوق قوم على قوم أو جنس على جنس، ولا العلم الحديث والمثل العليا الإنسانية تؤيد هذا المبدأ وهذه النظرية
ولئن كنا نستنكر ادعاء فئة من الغربيين تفوق العرق الآري - والكرد آريون - على العرق السامي، فأننا نأنف أيضاً من الاعتقاد يرجحان السامي على الآري. فاستحقار الأقوام غير العربية بالنسبة للعرب لا يقره الإسلام الذي رفع من قدر العرب وأكسبهم مجدهم الخالد، ولا يقبله العلم، ولا يرضى عنه الشعور الإنساني. بل أن فكرة الوحدة العربية التي تعلق عليها الأمم العربية آمالها لتحرر وتقوي وتستعيد مجدها الغابر، لا يمكن أن تتخذ العصبية أو القومية لها سلماً. وليس من العقل والحكمة في شيء أن يلهج بصددها بفكرة الجنس والعرق لأن الأقوام الآهلة بها البلاد الناطقة بالضاد مؤلفة من شتيت من الأجناس والأعراق. فالرابطة التي توحد بين أفراد كل أمة من هذه الأمم العربية ليست العصبية أو القومية، والجامعة التي تقرب بين الدول والأقطار العربية لا يمكن أن تكون آصرة جنسية، بل أنها رابطة سياسية عاطفية، قائمة على الإرادة والشعور والمصلحة
أردت من عرض هذه الفكرة أو التذكير بها - لأنها ليست مجهولة - أن أؤيد ما جاء به الأستاذ الجليل من تفنيد التفريق بين أفراد الأمة الواحدة بحسب أصولهم، وأبين الخطأ في النظر - لقاسم أمين إذا عد كردياً - ولكل من يحسب غير عربي من أشباهه كرجل خامل بنسبه وإن كان نابهاً بحسبه.
فليس يضر القاسم الأمين رحمه الله أو غيره من رجال الأمم العربية أن يكون أصله كردياً، بعد أن كان أمثال صلاح الدين بطل الشرق والإسلام والعرب، وكثير ممن تلاه من الملوك الأيوبيين ذوي الفضل العميم على مصر والشام أكراداً؛ بل له الفخر كل الفخر إذا جاز