موضع العضو المنزوع، ثم نظروا بعد ذلك إلى أنفسهم فلم يعجبهم حالهم ولم يرضوا عن أنفسهم واستبشعوا ما أخذوا بديلاً مما نزلوا عنه فجأروا بالشكوى إلى الله تعالى وتوسلوا إليه أن يأذن في أن يسترد كل منهم أعضاءه الأصلية. فتقبل الله دعاءهم رحمة منهم بهم، فما أسرع ما خلعوا ما استعاروا واستعادوا ما كانوا يسخطون عليه ويتبرمون به!
وهذه القصة الخيالية تدل على أن المرء لا يسعه إلا أن يفطن إلى حقيقة نفسه، ولكن إدراكه لعيوبه لا يمنع الحب الإيثار. وأحسب أن من هنا ما يسمونه (مركب النقص) أي معالجة الإنسان مداراة عيب يثقل على نفسه الشعور به، ومحاولة تعويضه من ناحية أخرى، والمقارنة والامتحان هما باب المعرفة، ولا سبيل إلى هذا الذي يسمى (مركب النقص) إلا بعد المعاناة أي الامتحان والمقارنة ولو امتنعت أسباب المعاناة والمقارنة بينه وبين غيره لما شعر المرء بنقص في نفسه أو في بدنه، ولما أحس الحاجة إلى مداراة النقص وستر العيب بإلتماس الصحة أو القوة في ناحية أخرى.
وأراني لا تخفى عليّ عيوب أبنائي وهم أحب إلى خلق الله إلي بعد نفسي كما لا أحتاج أن أقول فما أعدل بنفسي أحداً، وما أكثر ما سمعت أمي رحمها الله تقول إذا رأتني أشكو ألماً إنها تؤثر أن تكون هي المصابة، وأحياناً كنت أسمعها تدعو الله أن يتوفاها قبلي فأنكر هذا عليها في سري وأعجب كيف يمكن أن يتمنى إنسان أن يموت قبل غيره. هذا إحساس لا أستطيع أن أدعيه. ولو أني خيرت أن أموت قبل أولادي أو أن يموت أولادي قبلي لما رآني أحد أتردد أو أتحير، وربما أظهرت التردد نفاقاً وستراً للأنانية الصارخة، ولكن هذا لا يكون مني إلا نفاقاً وكذباً على الله والناس لا أكثر ولا أقل. وكثيراً ما سألت نفسي أترى الرجل غير المرأة؟ وأنا أؤمن بأن أمي كانت مخلصة صادقة السريرة، وقد كانت الدنيا كلها لا تعدل عندي قلامة ظفر من أصغر إصبع في رجلها. فهل تراها لو أن الأمر كان جداً لا تتردد في إيثاري على نفسها؟ من يدري؟ الرجل غير المرأة على التحقيق. . وشعور الأب غير شعور الأم، هي حملته تسعة أشهر على قلبها فهي تحس أنه قطعة منها بالمعنى الحرفي لا مجازاً، ومن أين يتأتى للرجل مثل هذا الشعور وهو لم يعان شيئاً ولا يدري أكثر من أن امرأته جاءته بغلام أو بنت قد لا يكون له رغبة فيه أو فيها. فأنا أستطيع أن أصدق هذا الإيثار من المرأة، ولكني لا أستطيع أن أصدق أن يكون الرجل مثلها إيثاراً