فارس؛ وهي رواية عربية تؤيدها الروايات اليونانية واللاتينية المعاصرة؛ بيد أن رواية ابن عربشاه ليست في حاجة إلى التأييد، فهو مؤرخ معاصر كتب روايته بعد وفاة تيمور بنحو ثلاثين عاماً فقط، واستقى مادته في سمرقند ذاتها حيث عاش مع أسرته ردحاً من الزمن وسمع أقوال رواتها وشيوخها المعاصرين لتيمور، واستقاها كذلك من بلاط السلطان محمد الأول بن السلطان بايزيد، حيث قضى في خدمته حيناً وتقلد لديه ديوان الإنشاء، واطلع على جميع المصادر والوثائق التركية والفارسية التي تتعلق بسيرة تيمور وغزواته؛ وإذن فليس في روايته عن القفص الحديدي الذي سجن فيه بايزيد ما يدعو إلى الريب
وهنالك رواية أخرى يقدمها إلينا مؤرخ فارسي معاصر، هو شرف الدين علي الذي كتب سيرة تيمور بعد وفاته بعشرين عاماً، تحقيقاً لرغبة حفيده السلطان إبراهيم. وخلاصة هذه الرواية هو أن تيمور حينما علم بأن السلطان الأسير (بايزيد) قد اقتيد إلى خيمته، نهض للقائه، وأكرم وفادته، وأجلسه إلى جانبه، وعتب عليه في لفظ رقيق، وحمله تبعة ما وقع، ووعده بصون حياته وشرفه؛ فتأثر بايزيد لكرم خصمه، وأعرب عن ندمه وقبل منه خلعته، وعانق ولده موسى الذي أسر معه والدمع ينهمر من عينيه؛ وأنزل السلطان وباقي الأمراء الأسرى منزلا حسناً. ولما وصلت زوج السلطان وهي الملكة رسبنا اليونانية وابنتها وباقي حريم السلطان، حملن إليه مكرمات معززات. ولما دعي السلطان إلى الحفلة التي أقامها تيمور ابتهاجاً بالظفر؛ وضع تيمور التاج على رأسه، ووعده برد عرشه وملكه، ولكن السلطان الأسير ما لبث أن توفي، فحزن تيمور عليه وأمر بدفنه بين مظاهر التكريم في المدفن الذي أقامه لنفسه في بروصة، واختار ولده موسى ملكاً على الأناضول
على أن هذه الرواية لا يمكن أن تنال من الثقة ما تناله منا رواية ابن عربشاه، فهي على ما يلوح رواية قصر أريد بها تمجيد ذكرى الفاتح وعرض مناقبه. ويحاول المؤرخ الفيلسوف جيبون أن يوفق بين الروايتين، فيقول لنا إن رواية شرف الدين في شقها الأول صحيحة لا ريب فيها، فقد استقبل تيمور أسيره برقة وأكرم وفادته، ولكن بايزيد قابل كرمه بكبرياء وغطرسة، فاستاء تيمور واعتزم أن يقود أسيره في ركبه الظافر إلى سمرقند؛ ولكن محاولة بذلت لإنقاذ الملك الأسير حملت تيمور على التشدد في معاملته، فزج به إلى قفص من الحديد، اقتداء بما قرأه في بعض السير القديمة من أن سابور أحد ملوك الفرس وقع في