فأفلتت منه الأمور واضمحلت. وينبغي لكل من يعالج أمراً من أمور المجتمع الإنساني أن يقدر أنه قد يكون مخطئاً أو مغالياً حتى على شدة الثقة برأيه فيتخذ الحيطة. واجتماع هذه الأمور لا يكون إلا في مراتب الثقافة الإنسانية العالية. وينبغي لهذا المعالج لأمور الناس أن يحذر من أن يؤدي عمله إلى احتقار حدود الحق والواجب احتقاراً يصبح ناراً تلتهم كل الحقوق والواجبات أو تحاول التهامها ويصير مرضاً مزمناً في المجتمع الإنساني، وهو إذا حاول استخدام احتقار حدود الحق والواجب الناشئ من المكر والخبث والجشع، واستثمارها بتقديم أصحاب هذه الصفات كان عمله آفة لا إصلاحاً، وصارت أمور الناس ضيعة يستغلها من لا يبالي أصلحت الدنيا أم خربت. وقد يستغلها ويخربها باسم الإصلاح بقدوته ونفوذه العلني والسري، والثاني شر من الأول لأنه مختف فيندفع صاحبه غير هياب ولا وجل في إفساد الأخلاق والذمم والضمائر والنفوس. ويكون معالج أمور الناس الذي قدمه كالمرأة التي تغزل بيد وتنقض غزلها باليد الأخرى، وربما سطت بتلك اليد الأخرى على غزل غيرها ونسجه فتتلفه أيضاً.