بها الإنسان. أما النوع الثاني فلا يليح بشيء من ذلك
وبهذا القياس نستطيع أن نقيس حالة الأمم. فإذا كان احتقار حدود الحق والواجب شاملاً لطوائفها وطبقاتها حتى وإن أنكر بعضهم شموله، وإذا كان غير مقصور على بعض الحدود، وإذا كان لا يبشر بحدود أعلى وأتم وأحسن، وإذا لم كان غير مصحوب بالغيرة على المثل العليا، ولم تكن تلك المثل الداعية إليه، فهو نذير شؤم وتدهور واضمحلال
ولكن مما يؤسف له أن بعض المثقفين لا يميزون هذا التمييز ولا يعيرون هذا القياس اهتماماً بل يكتفون برؤية مظاهر تغير اجتماعي مصحوبة بوهي حدود الحق والواجب فيحسبون أن ذلك إنما كان لتسهيل قبول حدود حقوق وواجبات جديدة أكثر قداسة، ويفترضون أن مظاهر التغير هذه لابد أن تؤدي إلى الرقي المؤجل الدائم. وما يسهل انخداعهم أن تكون تلك المظاهر مصحوبة برقي في الماديات، ويحسبون أن ذلك الرقي في الماديات سيكون خالداً ومؤدياً حتما إلى زيادة حدود الحق والواجب متانة وظهوراً في النهاية وإن أضعفها وطمسها في البداية، ولا يميزون أنواع ذلك الضعف والطمس ولا يقيسونها بما ذكرنا من الشرائط. وربما يسهل انخداعهم أيضاً أن بعض المصلحين يعمدون إلى إضعاف تلك الحدود أو بعضها تقريباً لمبادئ جديدة كما يُعمل الهادم معوله في البناء القديم كي يهدمه وكي يؤسس مكانه بناء جديداً. وأكثر هؤلاء يحسبون أنه مهما بلغ من الفساد بسبب طمسهم حدود الحق والواجب فإنهم قادرون على علاج الفساد الذي سببوه. وهذا نوع من الغرور يختص به بعض دعاة الإصلاح ويسلكهم في زمرة المفسدين الذين لا يبالون أصلحت الدنيا أم خربت، حتى أن المفكر لا يستطيع أن يميز بين الطائفتين وأن يحكم على رجل من أي نوع هو
وينبغي للمفكر أن يميز بين المجتمع الإنساني والبنيان، فالبناء حجر أصم يمكن هدمه وإقامة بناء آخر مكانه ولا خطر في ذلك إذا تهيأت الأسباب والوسائل، أما المجتمع الإنساني فهو حي نام شبيه بجسم الإنسان الحي النامي لا بالبناء الأصم، والذين حاولوا إدخال إصلاحاتهم على اعتبار أن المجتمع كبناء من حجر أصم ما لبثوا أن عرفوا خطأهم، وزادتهم خبرتهم وزادتهم أخطاؤهم يقيناً أن المجتمع الإنساني ليس كالبناء المصنوع من حجر أصم بل كجسم الإنسان النامي الحي، ولكن بعض هؤلاء أخطأ في حسابه وبالغ