للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تقاليدنا الدينية وتقاليد ملوكنا الغيورين العظماء، من قبيل الروايات والتشبث بالخيال الكاذب. أتدري ما هو هذا السبب؟ هو وصف ابن عائشة تلك الفتاة الجميلة لمولاي الجد إسماعيل وصفاً كاشفاً جعله ينزو هذه النزوة التي تقضي على ما عرف به من الثبات الذي يحطم النزوات والوثبات والمشهود له به من كتاب عصره سواء في ذلك الأوربيون وغيرهم، بل صيره ينزع هذه النزعة التي تجعله في صف الذين تقودهم غرائزهم إلى الهيام بما يرضيها ويشبع نهمها بأي وسيلة كانت، مع أنه كان بقصره الفاخر العامر من الأزواج الطاهرات والسراري وأمهات الأولاد الأعجميات الجميلات ما يغنيه ولاشك عن التعلق بفتاة وإن كانت أميرة بعيدة عنه تمكن أحد سفرائه من وصفها بكل دقة؛ فقد نص (بيدجان مكان) في تعليقه على ما كتبه (سان أولون) على أن مولاي إسماعيل، وإن كان ولوعاً بالنساء، فإنه لم يكن من الذين يستهويه حبهن، ويستولي على فكره، بل كان مقتصراً على ما تدعو إليه الحاجة إليهن، ولم تشغله كثرة نسائه عن تدبير شئون مملكته، والنظر في مصالحها، إلى آخر ما قال من هذا القبيل فلينظر في كتابنا (المنزع اللطيف، في التلميح لمفاخر مولاي إسماعيل بن الشريف) وليس سفيره ابن عائشة بذلك المتهور السخيف، الذي يتجرأ على مولاه وسيده، بوصف هذه الفتاة له وجهاً لوجه، وهو الذي كان يقف بين يديه وقوف المملوك بين يدي مالكه، بأدب واحتشام، وتهيب لمقامه واحترام

والذي يرفع نقاب الغموض عن هذه القضية، هو ما كان بين الخاطب والمخطوب إليه من غاية الرعاية وتمام المودة، وحسن العلائق، والمخاطبات التي كانت أكبر عنوان على تعظيم أحدهما للآخر والتنويه به، واعتناء كل منهما بإجابة صاحبه عن كل أمر له علاقة بتوثيق العلائق السياسية بينهما، وأي علاقة تضاهي علاقة المصاهرة في هذا الباب أو تحل محلها؟ فكيف إذن تصح خطبة سيدنا الجد إسماعيل الأكبر منه بهذه الصفة؟ وكيف لا يجيبه جواباً يعبر فيه عما تكنه نفسه للجد من إجلال وتقدير عهدا منه في غير هذا الأمر؟

هذا ما ظهر لي في هذه الأحدوثة أبديته، راجياً من الباحثين والمؤرخين أن يرشدونا إلى أصل ثابت غير الكتاب الذي أبديت فيه رأيي، ولهم مزيد الشكر مني سلفاً

(الرباط)

ابن زيدان

<<  <  ج:
ص:  >  >>