لأن السلطة تزال بالسلطة، ولا غنى في إخضاعها عن القوة، ولم يكن سادة قريش أصحاب فكرة يعارضون بها العقيدة الإسلامية، بل كانوا أصحاب سيادة موروثة وتقاليد لازمة لحفظ تلك السيادة في الأبناء بعد الآباء، وفي الأعقاب بعد الأسلاف، وكل حجتهم التي يذودون بها عن تلك التقاليد أنهم وجدوا تلك السيادة في الأبناء بعد الآباء، وفي الأعقاب بعد الأسلاف، وكل حجتهم التي يذودون بها عن تلك التقاليد أنهم وجدوا آباءهم عليها، وأن زوالها يزيل ما لهم من سطوة الحكم والجاه
وقصد النبي بالدعوة عظماء الأمم وملوكها وأمراءها لأنهم أصحاب (السلطة) التي تأبى العقائد الجديدة، وتبين بالتجربة أن السلطة هي التي كانت تحول دون الدعوة المحمدية وليست أفكار مفكرين ولا مذاهب حكماء، لأن امتناع المقاومة من هؤلاء العظماء والملوك كانت تمنع العوائق التي تصد الدعوة الإسلامية فيمتنع القتال
ومن التجارب التي دل عليها التاريخ الحديث كما دل التاريخ القديم أن السلطة لا غنى عنها لإنجاز وعود المصلحين ودعاة الانقلاب؛ ومن تلك التجارب تجربة فرنسا في القرن الماضي، وتجربة روسيا في القرن الحاضر، وتجربة مصطفى كمال في تركيا، وتجارب سائر الدعاة أمثاله في سائر البلاد
فمحاربة السلطة بالقوة غير محاربة الفكرة بالقوة، ولا بد من التمييز بين العملين لأنهما جد مختلفين
(والحقيقة الثالثة) أن الإسلام لم يحتكم إلى السيف قط إلا في الأحوال التي أجمعت شرائع الإنسان على تحكيم السيف فيها
فالدولة التي يثور عليها من يخالفها بين ظهرانيها ماذا تصنع إن لم تحتكم إلى السلاح؟
وهذا ما قضى به القرآن الكريم حيث جاء فيه:(وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله. فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين)
والدولة التي يحمل أناس من أبنائها السلاح على أناس آخرين من أبنائها بماذا تفض الخلاف بينهم إن لم تفضه بقوة السلطان؟
وهذا ما قضى به القرآن الكريم أيضاً حيث جاء فيه: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما؛ فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله.