كمثل أولئك الأغنياء المترفين يكنزون المال ويضاعفون الثروة من آلام الآخرين وشقاء العاملين، ويستطيعون نار الشتاء حين يذكرون البؤساء الذين لا مأوى لهم ولا نار عندهم!!
المصور - قل ما تشاء، شبهني بما تهوى، فلن أكون لك إلا الصديق الوفي النصوح الذي يرى الخطر فلا يقف مكتوف اليدين متبلد الحس، جامد الشعور
الشاعر - أراك تسرف في كره الزواج إسرافاً كبيراً مع أني استروح أريج السعادة هنا كما أتنفس الهواء الطلق في الحقول!
المصور - نعم إني سعيد كما تقول، أحب زوجتي حباً جما وأرى فيها وفي ولدي كل جمال الوجود والحياة. لقد كان زواجي مرفأ هانئاً آمنا تحفه المياه الوادعة، أقلني وما زال يقلني إلى ما أصبو إليه من مواطن الراحة والسلام. وإنتاجي أحصب وسما، ولعل خير رسومي قد أبدعتها في عهد الزواج. . .
الشاعر - وما بالك تنأى بي إذن عن عالم السعادة؟
المصور - ها. . . إن السعادة التي أنعم في أحضانها إنما هي أعجوبة من أعاجيب القدر، لا يسمح بها الزمان، ولا تجود بها الطبيعة على الناس جميعا. وأنا كلما أدركت ماهية الزواج فرحت لهذا الحظ الضاحك الذي حباني به الإله الكريم. فحالي تشبه حال من فطن للهوة السحيقة المخيفة بعد أن اجتازها فأعجب بشجاعته ومضاء همته، وشكر الله على سلامته!
الشاعر - وما هي مساوئ الزواج يا أخي؟
المصور - أولى المساوئ وأعظمها أن الأسرة تستهلك المواهب وتميت الإبداع، وهذا أمر له وجاهته بلا ريب في حياة الفن الجميل. يكون الزواج استجابة طبيعية للغريزة الكامنة الحمراء، وقد يعلى شأن بعض الرجال ويوسع إطار خبرتهم، ويدنيهم من الأرض والمدنية، ثم لقد يكون ضرورة من ضرورات المهنة والمعاش. أما الفنانون من شعراء ومصورين ونحاتين وموسيقيين لا يمتزجون بالناس ولا يدخلون المجتمع، وإنما يعيشون على حافة الحياة يرقبونها عن كثب ويتأملون خطوطها وألوانها ثم يسجلون مشاهداتهم ويبدعون آثارهم. فالمتزوجون فيهم على هذا ينبغي أن يكونوا قلائل نادرين هذا (ديلا كروا) العظيم الذي تعجب به وتهيم برسومه قضى عمره الطويل أعزب يدب وحيداً بين جدران بيته. لقد