وقد حدث التاريخ أن هذا المنبر صنع والمسجد في أيدي الصليبيين ليوضع فيه بعد الفتح. وما كان الفتح ليستعصي على هذه العزيمة وهذا الإيمان. ثم وضعه في موضعه الذي هو فيه اليوم الملك الناصر صلاح الدين
قال الإخوان: اصعد فتأمل أعلى المنبر فصعدت وكأنما احتشدت أمامي الجموع التي شهدتها هنا القرون، والحادثات التي داولتها العصور. قلت: ما أخطب هذا المقام وما أخطب هذا المنبر! قال أحد الرفاق: وإنك لجدير به. قلت: يوم نظفر بما نبغي لهذا المسجد وأهله من سلام وعزة، يوم تكون أقدامنا جديرة بمكانها من هذا المنبر منبر التاريخ والى جانبي المسجد من جهة القبلة مصليان متصلان به يمتدان مع جدار القبلة إلى الشرق والغرب ولا يتسعان إلى الشمال بل عرضهما يقارب عرض رواق واحد من المسجد، وهما يبدوان كأنهما جناحان لهذا المسجد المبارك الذي يصعد بالأرواح كل حين؛ فالذي إلى يمين المصلى مسجد النساء (وقد اقتطع قسم منه للمتحف الإسلامي)، ويصلي فيه النساء كل يوم. وقل أن يخلو المسجد الأقصى من مصليات قانتان يذهبن جماعات إلى الصلاة ومعهن أطفالهن أحياناً. وهي سنة إسلامية حميدة شهدتها في جوامع الشام واسطنبول أيضاً
وأما المصلى المبارك الذي إلى يسار القبلة شرق المسجد فيحمل الإسم العظيم والذكرى الخالدة، اسم أمير المؤمنين عمر فاتح بيت المقدس رضي الله عنه وأرضاه. ويقال إنه المصلى الذي أمر عمر باتخاذه حينما دخل المسجد الأقصى ورفع عنه الرجس والهوان اللذين جثما عليه عصوراً، وجعل مسجداً طهوراً
والذي أدركته من كتب التاريخ أن المساحة الفسيحة التي نسميها الحرم كانت كلها تسمى المسجد الأقصى؛ ولكن هذا الإسم يخص اليوم أحياناً بالمسجد الذي وصفت. قال ياقوت:
وأما الأقصى فهو في طرفها الشرقي (يعني طرف المدينة) نحو القبلة أساسه من عمل داود عليه السلام وهو طويل عريض وطوله أكثر من عرضه
وفي نحو القبلة المصلى الذي يخطب فيه للجمعة. وهو على غاية الحسن والأحكام مبني على الأعمدة الرخام الملونة وليس في الدنيا أحسن منه لا جامع دمشق ولا غيره
وقد نقل ياقوت عن المقدس أن طول المسجد ألف ذراع وعرضه سبعمائة وأن في سقفه من الخشب أربعة آلاف خشبة وسبعمائة عمود رخام وكان له ستة وعشرون باباً الخ